بدأت مسيرة معارض الكتب في البحرين منذ أواسط سبعينات القرن الماضي، حين نظمت إدارة المكتبات العامة في 27 مارس 1976 أول معرض للكتاب تشهده البلاد، بقاعة القسم التجاري المجاورة لمكتبة المنامة العامة، تحت اسم «معرض الكتاب العربي الأول»، واقتصر حينها على دور نشر محدودة من مصر ولبنان وفلسطين، وكان لجناح فلسطين حضور إنساني بارز، حيث بيعت جميع كتبه خلال ثلاثة أيام فقط، وفي عام 1978 أُقيم معرض البحرين الدولي الأول للكتاب، واستمر تنظيمه كل عامين، متنقلاً بين قاعات وصالات مختلفة، حتى استقر في مركز البحرين الدولي للمعارض عام 1992، مكتسباً مكانته كتظاهرة ثقافية بارزة، ومقصد للقراء والناشرين من البحرين وخارجها.
هذا التاريخ العريق منح البحرين سمعة راسخة في الساحة الثقافية العربية، حيث كان المعرض موعداً ثابتاً يترقبه القراء والكتّاب والناشرون، لما يمثله من منصة للتفاعل وتبادل المعرفة، وفرصة لتزويد المكتبات بأحدث الإصدارات، واحتفاء جماهيري بالكتاب والقراءة.
لكن بينما كان هذا الإرث الثقافي حاضراً في ذاكرة الأجيال، تشهد المنطقة العربية اليوم حراكاً ثقافياً واسعاً، تُعيد من خلاله الدول الاعتبار للكتاب، وتحوّل المعارض من مجرد أسواق للبيع إلى منصات حية للمعرفة، تجمع الأدباء والباحثين ودور النشر، وتفتح فضاءات للحوار والنقاش، وتتيح للقراء فرصة ملامسة الثقافة بكل أبعادها، ففي هذه المعارض لا تقتصر الفائدة على البيع والشراء والأمور التجارية الربحية، ولكنها تعمل على مد الجسور المعرفية بين الثقافات، وتعزيز الحضور العربي على خريطة المعرفة العالمية.
بالنسبة لي كانت مشاركتي في مواسم ثقافية عربية فرصة لا تُقدّر بثمن؛ التقيت فيها بقرّاء من خلفيات مختلفة، وتبادلت معهم النقاشات حول أفكاري وكتبي، وعثرت خلالها على مراجع ومصادر ثمينة إضافة لبحثي في الدكتوراه، وجعلتني أعيش تجربة ثقافية ومعرفية ممتدة، فمعارض الكتاب فرصة ثمينة للاطلاع على أحدث الإصدارات العربية في مختلف مجالات المعرفة، حيث تتيح للقراء التعرف على نتاج دور النشر الكبرى والمؤلفين من مختلف البلدان، واكتشاف أعمال جديدة قد لا تصل بسهولة إلى المكتبات المحلية، مما يجعلها نافذة واسعة على المشهد الثقافي العربي والعالمي الراهن.
ومنذ العام 2021، ظل كتابي الجديد مؤجلاً، أرجئ نشره أملاً في أن أحتفل بتدشينه على أرض البحرين، حيث اللقاء مع الجمهور له وقع خاص، وعندما بلغني أن معرض البحرين الدولي للكتاب قد يعود هذا العام، عادت إلي الحماسة، وأنهيت ما كان معلقاً لسنوات، لكن سرعان ما تبدد هذا الحماس حين وصلني خبر غياب المعرض مجدداً هذا العام.
ذلك الإحباط ليس شعوراً فردياً؛ فكثير من الكتّاب البحرينيين يركنون أعمالهم في الأدراج، ينتظرون منصة بحجم معرض الكتاب لتكون لحظة ميلادها بين أيدي القراء، وليشعروا بأن جهدهم لم يذهب في عزلة، غياب المعرض يعني خسارة فرصة وطنية للاحتفاء بالإبداع، وتراجع مساحة اللقاء المباشر بين الكاتب والقارئ.
إن عودة معرض البحرين الدولي للكتاب مطلب ثقافي يحمل في جوهره التزاماً تاريخياً تجاه هويتنا، وإحياءه من جديد يعيد للبحرين مكانتها التي تستحقها، ويمنح جمهورها وكتّابها المساحة التي يليق بها تاريخهم وإبداعهم، ويضع اسم البحرين مجدداً على خارطة معارض الكتب.