كانت البحرين، وعبر تاريخها الطويل، تمثل النموذج الأميز والأكثر تحضراً في الوسطية والاعتدال، عبر التمسك بثوابت الدين الإسلامي الحنيف وهويتها العربية التاريخية، وفي ذات الوقت منفتحة على قيم التعددية والحوار والتعايش وقبول الآخر، عبر العديد من المبادرات والمشاريع التي تعكس هذا النهج الوطني والأساس الثابت في ثقافة وقيم المجتمع.
ولا شك فإن كلية عبدالله بن خالد للدراسات الإسلامية، والتي تم افتتاح مبناها الجديد، الأسبوع الماضي، تمثل صرحاً أكاديمياً وفكرياً يحمل رسالة البحرين إلى العالم، عنوانها الرئيس؛ الوسطية والتسامح واحترام التنوع.
وبالتأكيد فإن هذه الكلية الرائدة تمثل امتداداً لمسيرة تاريخية عريقة في دعم العلم الشرعي، وصون الهوية الإسلامية المعتدلة، التي جعلت من البحرين نموذجاً للتعايش بين الثقافات والمذاهب، فهي تمثل حلقة وصل بين الماضي والحاضر، بين إرث علمي راسخ ورؤية مستقبلية لبناء أجيال قادرة على الجمع بين التعمق في العلوم الشرعية وفهم متطلبات العصر.
إن تدشين المبنى الجديد للكلية، بحضور نخبة من كبار المسؤولين والعلماء، يمثل تأكيداً جديداً على التزام الدولة بتهيئة بيئة تعليمية متطورة تواكب التطور التكنولوجي، وتمنح الطلبة وأساتذتهم فضاءً للإبداع والبحث العلمي، وفي قاعاتها الحديثة ومكتبتها الغنية ومختبراتها المتطورة، يتشكل جيل واعٍ يحمل في قلبه القرآن الكريم والسنة النبوية، وفي عقله أدوات الفهم النقدي والحوار الحضاري.
وفي اعتقادي؛ فإن أبرز ما يميز الكلية هو رسالتها في ترسيخ مناخ الحرية والتعددية الثقافية، وفقاً لثوابت الشريعة الإسلامية، بما يعزز قيم المواطنة والانتماء، ويصون وحدة النسيج الوطني، ففي هذا الصرح الوطني يتعلم الطالب أن الإسلام دين رحمة وعدل، وأن الانتماء للوطن لا ينفصل عن الانتماء للأمة، وأن الدفاع عن الهوية العربية والإسلامية يبدأ من الفهم العميق لمصادرها، لا من الانغلاق أو التعصب.
وعلى مدى تاريخها القصير نسبياً؛ حيث تأسست بمرسوم ملكي عام 2018، وضعت الكلية هدفاً واضحاً يتمثل في إعداد كفاءات فكرية قادرة على أن تكون جسراً بين الأصالة والمعاصرة، وأن تسهم في صياغة خطاب إسلامي معتدل يحمي المجتمع من الغلو والتطرف، ويفتح آفاقاً للتعاون الإنساني. واليوم، ومع تخريج ثلاث دفعات من طلبتها، يتجسد هذا الهدف في وجوه شابة تحمل العلم والمعرفة، وتستعد لتقديم نموذج البحرين للعالم.
ختاماً؛ فإن كلية عبدالله بن خالد للدراسات الإسلامية تمثل رسالة حضارية من البحرين إلى العالم، عنوانها أن الإسلام الوسطي قادر على أن يكون قوة بناء وسلام، وأن المعرفة هي الطريق الآمن للحفاظ على الهويات وصون الأوطان.