صاحبي المسؤول اعترف لي ذات مرة بأنه «لا يحب الأشخاص الأذكياء»! فقلت له المثل الإنجليزي الشهير يقول: «الذكاء هو كيف تجعل الأشخاص الأذكياء يعملون عندك أو معك».

كمسؤول عليك إتقان «فن التعامل مع الأذكياء». هم أشخاص يمتلكون قدراً عالياً من الذكاء والفكر التحليلي. والنجاح المهني يكون مرهوناً بمدى قدرتنا على التعامل مع هؤلاء بذكاء اجتماعي ومهارات تواصل مرنة وفعّالة.

التعامل مع الأذكياء لا يعني الدخول في تحدٍّ معهم، أو التقليل منهم بدافع المنافسة أو الغيرة، لأنك ستحول ذكاءهم إلى التفكير بمقارعتك والتغلب عليك، بل ستندهش من قدرتهم على بناء السيناريوهات التحليلية والمنطقية، والتي قد تضعك في مأزق حقيقي، خاصة لو كان أسلوبك الإداري أو تعاملك البشري عليه ملاحظات، ويفرض علامات استفهام.

أولاً يجب الاعتراف بقدراتهم دون شعور بالتهديد. إذ كثيرون يقعون في فخ التقليل من شأنهم، أو تعمد كسرهم ووضع العراقيل أمامهم، إلا أن التقدير الصادق للأذكياء يفتح المجال أمام علاقة مهنية قائمة على الاحترام والثقة، والإنجاز.

تذكر بأن الاعتراف بفضل فكرة جيدة أو الإشادة بحل مبتكر لا ينقص من قيمتك، بل يعكس نضجك الإداري. فالأشخاص الأذكياء يقدّرون من يكون مستعداً للتعلم ويقدر إسهاماتهم. لذا فإن التواضع أمام المعرفة أمر ضروري، بل هو من علامات القوة، ويعزز الاحترام المتبادل.

مهم جداً المحافظة على النقاش الموضوعي وتجنّب الانفعالات. إذ الأذكياء يميلون للنقاشات العميقة المبنية على المنطق لا العاطفة، وبالتالي فإن استخدام الحجج والدلائل بدلاً من المواقف الشخصية هو الطريق الأمثل للنقاش معهم. وحتى إن اختلفت وجهات النظر، فإن الأسلوب الهادئ والمرتكز على الحقائق يفتح المجال للتفاهم.

هنا احذر من الإساءة لشخص ذكي أو تعمد التطاول عليه، أو استخدام أساليب إدارية خالية من اللباقة والأدب، لأن الأذكياء لا يسمحون بذلك، وسيجدون ألف طريقة للدفاع عن كرامتهم وكيانهم باللوائح والقوانين. هنا التهور بأن تخطئ متعمدا بحق الأذكياء. لذا نقول بأن الصدق ضروري، لكن لا بد أن يكون مغطى بالدبلوماسية. الصراحة دون لباقة ستُفهم على أنها هجوم أو انتقاد شخصي، وهذا ما قد يفسد العلاقة. وعليه اختر كلماتك بعناية، وعبّر عن ملاحظاتك بلغة مهنية تحفظ الاحترام، وتفتح باب النقاش.

وفي المواقف الصعبة، حين تشتد النقاشات، أو يُطرح عليك تحدٍّ فكري مفاجئ، لا تدع التوتر يسيطر عليك. الأشخاص الأذكياء قد يطرحون أسئلة معقّدة، أو يحللون تفاصيل دقيقة، وقد يكون هدفهم اختبار الفكرة لا اختبارك أنت شخصياً. لذا، حافظ على هدوئك وركز على الحجة لا على الموقف.

الأهم من ذلك كله أن ترى هؤلاء الزملاء كشركاء لا كخصوم. التعاون معهم يفتح أبواباً لأفكار جديدة ونتائج نوعية، بينما التنافس المفرط قد يؤدي إلى توتر غير مبرر. وأخيراً، كن مرناً. لا تفترض أن طريقتك هي الوحيدة الصحيحة. الأذكياء قد يأتون بأساليب غير تقليدية، وبدل أن تُقاومها، جرب أن تتعلم منها.

فالتعامل مع الأشخاص الأذكياء ليس معركة لإثبات الذات، بل هو اختبار لذكائك الاجتماعي، ولقيمك المهنية. وحين تتعامل باحترام، وفضول، وهدوء، وتواضع، فإنك لا تكتفي بكسب علاقة جيدة، بل تفتح باباً واسعاً نحو النمو والتعلّم والنجاح الحقيقي بالاستفادة من ذكاء الأذكياء.

اتجاه معاكس

تريد أن تدمر قطاعاً، أو أن تنسف إنجازات، أو مسح تاريخ مشرف بآخر مخجل؟! أو تدمير نفسيات البشر؟!

فقط أوكل الأمور لشخص «ليس ذكياً» لا إدارياً ولا اجتماعياً. شخص «يخاف» من الأذكياء، ويفضل إحاطة نفسه بمحدودي التفكير والضعفاء. وأبشر بـ«دمار» يُحكى عنه في أوساط المجتمع.