نورا الفيحاني
توجهت أنظار المراقبين والمستثمرين نحو مملكة البحرين باهتمام متجدد مع صدور أحدث تقديرات الحسابات القومية عن الربع الأول من عام 2025، الأرقام التي كشفتها هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية كانت نبضاً حياً ينبئ عن مسار اقتصادي واعد، فقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.7% عند قياسه بالأسعار الثابتة، وبنسبة 3.0% بالأسعار الجارية مقارنة بالربع المماثل من عام 2024، هذا النمو يحمل في تفاصيله رسائل اقتصادية عميقة وقصة نجاح تستحق التأمل.
القصة الأبرز هنا ليست في مجرد تحقيق نمو إيجابي، بل في طبيعته المزدوجة والمتوازنة، فلم يعتمد الاقتصاد على رافعة وحيدة كالعادة، إنما جاء النمو ثمرة لتحسن شبه متوازٍ في أداء القطاعين الرئيسيين: النفطي وغير النفطي.
ففي الوقت الذي سجلت فيه الأنشطة النفطية، العمود الفقري التقليدي، قفزة ملموسة بلغت 5.3% بالأسعار الثابتة و4.6% بالجارية، أظهر القطاع غير النفطي، الذي يمثل المستقبل والتنويع، صلابة ونمواً مطرداً بنسبة 2.2% و2.8% على التوالي.
هذا التوازن بين قطاع الطاقة والاقتصاد الأوسع يشير إلى مرونة أكبر للاقتصاد الوطني وقدرة أفضل على امتصاص الصدمات المحتملة في أسواق النفط المتقلبة، وهو أمر حيوي للأمن الاقتصادي طويل المدى.
لكن روح التفاؤل الحقيقية تكمن في تفاصيل أداء القطاع غير النفطي، هنا، تبرز ثلاثة محركات رئيسية تدفع عجلة التنويع بزخم واضح، فقد تصدرت قطاعات السياحة والضيافة (خدمات الإقامة والطعام) المشهد بنمو مذهل بلغ 10.3% بالأسعار الثابتة، وهو رقم يترجم مباشرة إلى ازدهار في حركة السياح والزوار وحيوية في النشاط الترفيهي والاستهلاكي المرتبط بهم، ويعكس نجاح جهود تعزيز البحرين كوجهة إقليمية جاذبة، يليها في الأهمية قطاع الخدمات المالية والتأمين، حجر الزاوية في رؤية 2030 الاقتصادية، والذي نما بنسبة قوية 7.5%. هذا النمو ليس مجرد أرقام، إنما هو دليل ملموس على استمرار الثقة في البيئة التنظيمية البحرينية وقدرة المملكة على جذب وتوطين الاستثمارات المالية المتطورة، وأخيراً، يأتي قطاع التشييد والبناء ليسجل نمواً صلباً بنسبة 5.4%، مؤشراً على استمرار زخم المشاريع التنموية الكبرى والاستثمار في البنية التحتية، مما يخلق فرص عمل، ويحفز سلسلة واسعة من الصناعات.
ثم هناك تلك الفجوة الصغيرة بين نسبتي النمو بالأسعار الثابتة (2.7%) والجارية (3.0%)، هذا الفارق، وإن بدا طفيفاً، يحمل دلالة مهمة. فهو يشير إلى وجود درجة من التضخم في الأسعار المحلية، حيث إن النمو بالأسعار الجارية كان أعلى قليلاً من النمو بالأسعار الثابتة (التي تستبعد أثر التضخم، وتعكس نمو الكميات الحقيقي)، وهذا يضع أمام صنّاع السياسة تحدياً دقيقاً يتمثل في موازنة دعم النمو مع الحفاظ على استقرار الأسعار وقوة القوة الشرائية للمواطن.
الربع الأول من 2025 يقدم صورة بداية مشرقة للاقتصاد البحريني فهو نمو قائم على أساسين متينين: انتعاش القطاع النفطي التقليدي، وتقدم واضح في قطاعات التنويع الاستراتيجية، خاصة السياحة والمالية والبناء، وهذا التكامل يعزز في قدرة الاقتصاد على تحقيق تقدم مستدام، غير أن الطريق لا يخلو من التحديات، أبرزها إدارة التضخم المرافق للنمو والحفاظ على الزخم الاستثماري الذي يغذي القطاعات غير النفطية الواعدة.
نجاح البحرين الاقتصادي المستمر سيعتمد في الحفاظ على هذه المعادلة الدقيقة بين استغلال الفرص الحالية وبناء أسس متينة لمستقبل أقل اعتماداً على النفط، فالأرقام تنبض بالحياة، والمسار حتى الآن، يبشر بموسم اقتصادي واعد.