بينما كنت أتصفح بريدي الإلكتروني مؤخراً، استوقفني عنوان لافت لبريد إلكتروني حمل دعوة مباشرة: «استثمر في قادة الذكاء الاصطناعي». للوهلة الأولى ظننته إعلاناً تجارياً عابراً، لكن الفضول دفعني لفتح الرسالة، فإذا بها تتحدث عن شركات بعينها مثل «ألفا» المالكة لغوغل، و«مايكروسوفت»، و«أبل»، و«إنفيديا»، باعتبارها القادة الذين يرسمون ملامح العالم الجديد اليوم، لم يكن الأمر مجرد تسويق لأسهم، بل بدا كأنه دعوة للتفكير في معنى أن يصبح الاستثمار في العقول والقيادات التقنية هو الرهان الأكبر في عصرنا.

تساءلت: هل هي دعوة موجهة للأفراد لدخول هذا العالم وملاحقة أرباحه السريعة؟ أم أنها محاولة لإشراك الرأي العام في متابعة التحولات العميقة التي تصوغ الاقتصاد العالمي؟ نحن في عام 2025 نشهد بأعيننا كيف أصبح الذكاء الاصطناعي حاضرًا في كل تفاصيل الحياة: من برامج الترجمة الفورية إلى تشخيص الأمراض، ومن السيارات ذاتية القيادة إلى المنصات الإعلامية التي تصنع الأخبار بالتحليل الآلي، وتشير التقديرات إلى أن حجم سوق الذكاء الاصطناعي العالمي الذي تجاوز 500 مليار دولار هذا العام، مرشح للارتفاع إلى أكثر من 1.8 تريليون دولار بحلول 2030، بمعدل نمو يتجاوز 30% سنوياً، هذه الأرقام تكشف أن المسألة لم تعد حلماً مستقبلياً بل واقعاً قائماً يقوده أولئك القادة الرقميون.

غير أن السؤال الأعمق ليس عن الأرباح فقط، بل عن الأبعاد المستقبلية، فالمستثمر حين يضع أمواله في شركات مثل «مايكروسوفت» أو «إنفيديا»، فإنه يراهن في الحقيقة على قدرة القادة على ابتكار الخوارزميات وتوجيهها، وهنا يكمن التحدي: هل سيقود هؤلاء إلى خلق 97 مليون وظيفة جديدة كما يتوقع المنتدى الاقتصادي العالمي، أم أننا سنشهد اتساع فجوة البطالة وتفاقم التفاوت الاجتماعي؟ الواقع أن الصين مثلاً ضخت أكثر من 20 مليار دولار سنوياً في تدريب قادة الذكاء الاصطناعي، فيما تمضي أوروبا في سن قوانين صارمة لضبط المخاطر، بينما تواصل الولايات المتحدة نهجها القائم على الاستثمار المفتوح، رغم ما يحمله من احتمالات احتكار أو استغلال غير مسؤول للبيانات.

حين أعدت النظر إلى البريد الذي وصلني، أدركت أن الدعوة ليست مجرد مغامرة استثمارية مالية، بل جرس إنذار يذكرنا أن مستقبل المجتمعات بات على مفترق طرق، الاستثمار في قادة الذكاء الاصطناعي هو استثمار في شكل الحضارة المقبلة، بقدر ما هو رهان على أرباح السوق.

أغلقت البريد، لكن الأسئلة بقيت مفتوحة: هل نحن من يقود الذكاء الاصطناعي، أم أننا نتركه يقودنا؟ ولعل المكسب الحقيقي ليس في الأرباح السريعة، بل في الاستثمار في وعي الإنسان بزمانه، لأنه وحده القادر على أن يحدد إن كان الذكاء الاصطناعي خادماً مطيعاً.. أم سيداً جديداً للعصر الرقمي.

* إعلامية وباحثة أكاديمية