«وفاة ثلاثة شباب وإصابة آخرين في حادث مروري مأساوي»... «التربية تنعى طالبين توفيا في حادث أليم»... «وفاة أربعيني وإصابة شخصين إثر حادث مروري»... «مصرع 5 آسيويين في حادث مروري مروع»..

هذه ليست مجرد عناوين عابرة في صفحات الجرائد، إنها جروح مفتوحة على قلوب الأهل، وصور لا تمحى من ذاكرة أصدقاء وزملاء، إنها قصص أحلام سرقت في لحظات خاطفة، وكأن الموت صار له موعد يومي على طرقاتنا.

الإحصاءات الرسمية تزيد المشهد وضوحًا ومرارة؛ حيث تشير إلى أنه في شهر يناير 2025 وحده، انتهت 11% من الحوادث بوفيات، و47% بإصابات خطيرة، و42% بإصابات طفيفة، أما السبب فمعروف ومؤلم؛ 39% بسبب الهاتف أثناء القيادة، و22% بسبب تجاوز الإشارة الحمراء، إلى جانب القيادة تحت المؤثرات العقلية..

حين صدرت التوجيهات الملكية السامية من جلالة الملك المعظم، حفظه الله ورعاه، كان المعنى أكبر من مجرد قانون جديد، كانت رسالة بأن الإنسان هو الثروة الأغلى، وأن الدولة عازمة على حماية الأرواح قبل أي شيء آخر، حيث سارعت الحكومة الموقرة، برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، إلى ترجمة هذه التوجيهات عملياً، عبر تعديل بعض أحكام قانون المرور وتشديد العقوبات، خطوة مهمة بل ضرورية لتقول للمتهور؛ توقف فحياة البشر لا تشترى.

لكن دعوني أطرح سؤالاً هاماً؛ هل تكفي القوانين وحدها لضبط الشارع وحفظ الأرواح والممتلكات؟

شخصيا؛ ومن خلال متابعتي لتطوير قانون المرور خلال عملي في الصحافة منذ ما يزيد على عقدين من الزمن، يمكنني أن نقول إن القانون يردع والعقوبة تخيف، لكن من يقود بسرعة جنونية يعرف حق المعرفة أنها مخالفة فهو لا يقوم بذلك لأنه يجهل القانون بل لأنه يستخف بحياة الآخرين، ومن يصر على استخدام هاتفه أثناء القيادة يدرك الخطر تمامًا، لكنه يغامر وكأن الأرواح لا تعني له شيئًا.

القضية في جوهرها ليست نصوصاً قانونية فقط، بل وعي وثقافة وسلوك يومي؛ فالسائق الذي يخفف سرعته احتراماً للمشاة، والمشاة الذين يلتزمون بخطوط العبور، والمجتمع الذي يرى في الانضباط المروري قيمة حضارية، هؤلاء هم السور الحقيقي الذي يحمي الأرواح.

إن الإنسان هو أغلى ما تملك الأوطان، والقوانين وضعت لحمايته، لكنها ستبقى عاجزة إن لم نملك نحن ثقافة احترام الحياة، علينا أن نفهم أن الطريق ليس ملكاً لفرد، بل هو مساحة للجميع، وأن دقيقة تهور واحدة قد تعني حياة كاملة تسلب من عائلة بأكملها.

وفي النهاية، تبقى الحقيقة الأوضح: القوانين وحدها لا توقف نزيف الحوادث، إنما يوقفه وعي المواطن والمقيم، وأخلاقيات الشارع، والتزامنا جميعاً بأن الأرواح أغلى من أي استعجال أو استهتار.