سقطة غير مغتفرة لوصف أطلقته إحدى الشخصيات الصحفية (سابقاً) على أعضاء مجلس إدارة جمعية الصحفيين الذين انتخبوا مؤخراً.
السؤال الذي طرح بهذه الصيغة «من أنتم» يدل على من يسأل عنهم عبارة عن نكرات مجهولة للسائل، ونأسف أن يكون هذا الوصف غير الأخلاقي وغير الإنساني وغير المهني صادراً ممن يعملون في مجال من المفروض أنه يستند إلى الحقوق الإنسانية وإلى العدالة والإنصاف، لزملاء نكن لهم كل الاحترام والتقدير.
إنما هي فرصة أن نتكلم عن الفوقية السياسية والمهنية التي أصبحت داءً (قذافياً) نسبة للرئيس معمر القذافي والممثلة في سؤال «من أنتم؟».
خلد ذلك السؤال شخصية ديكتاتورية أكثر من كل تاريخه الماضي، فسؤاله اختصر المعني الحقيقي لاحتكار السلطة، وهو سؤال طرحه في إحدى خطبه في آخر أيام حكمه، حين ثار عليه الشعب فسألهم «من أنتم؟» فتأتي المفارقة أن يطرح هذا السؤال في سياق يتطابق بين زعيم مخلوع للشعب، وشخصية مهنية سابقة لمهنيين.
مشكلة حقيقية، حين تضع نفسك في مقام من يحتكر الصف الأول، وتعمى عن رؤية محاولات واجتهادات الصعود لهذا الصف بغض النظر عن نتائج المحاولات، وحين لا تراها بالتأكيد، فإنك لن ترى أصحابها، ومن الطبيعي حينها أن تسألهم من أنتم؟.
المشكلة الأكبر، حين تعتقد أنك تملك صكوكاً وتراخيص الصف الأول، تعز فيه من تشاء وتذل فيه من تشاء، فتصدق أن من صلاحياتك أن تقرر إن كان من يحاول الوصول مرئياً أم غير مرئي يستحق الوصول، أو لا يستحق!
«احتكار السلطة» هدف ناضلتم من أجله عقوداً، وهو هدف مشروع يستحق النضال، إنما نسيتم أن السلطة التي تحاولون منع احتكار صفها الأول لا تختزل في المناصب السياسية فحسب، فالمهنة» سلطة لها صفوفها الأولى أيضاً، والعمل الوطني سلطة له صفوفه الأولى أيضاً، وحين حزتم بعضاً من المكتسبات، واعتقدتم أنكم في صفها الأول احتكرتموها لأنفسكم، ومنحتم أنفسكم مفاتيح جنتها ونارها؟
في هذه الحالة تستحقون أن يناضل ضدكم -كرؤساء سابقين لا يريدون التخلي عن سلطتهم- من أجل منع احتكاركم للسلطة، واستحواذكم عليها والانفراد بها.
أما إن دافعتم أنكم لم تعينوا أنفسكم زعماء للمهنة، فمثلكم قالها قبلكم زعماء صدقوا أنهم معينون من الآلهة.
نفهم أن تقيموا مستوى الصحافة بشكل عام، وتقيموا سقف الحريات، وتقيموا مهنية الأداء، نفهم حتى أن تقيموا الأداء الصحفي لمن ترشح وفاز تقييماً مهنياً يتناول الأداء والأعمال التي أنجزوها، كل ذلك جائز ومشروع واحترافي، إنما طرح التقييم لزملاء بهذه الفوقية المتعجرفة أمر غير مقبول بتاتاً تحت أي مسمى.