يثلج صدري حينما أقرأ خبراً معنياً باتخاذ الإجراءات القانونية بحق أشخاص مارسوا الفساد الإداري والمالي، أشخاص منحوا الثقة، ووضعوا في مواقع لخدمة الوطن والمواطنين، وكان يفترض منهم الجد والاجتهاد والعمل بضمائر حية.
محاربة الفساد الإداري والمالي، نهج اعتمدته بلادنا الغالية، ووضعت له جهازاً معنياً وخطاً ساخناً، وأعطت المواطنين الحق للإبلاغ مع بيان الأدلة والثبوتيات، في وقت تعمل فيه الحكومة من جانبها للتدقيق على سير الأمور بشكلها النموذجي، والتصدي لأية حالات تتضمن شبهات فساد. مؤخراً أعلنت نيابة الجرائم المالية وغسل الأموال استكمال التحقيقات في قضية تتعلق بإساءة استخدام المنصب والتعدي على المال العام، وإحالة المتهمين إلى المحكمة الكبرى الجنائية، بما يعكس عزم الدولة على محاربة كل أشكال الفساد، ويؤكد أن المحاسبة لا تستثني أحداً.
المال العام لا يُختزل في أرقام مالية داخل الميزانية، بل يمثل مورداً وطنياً أساسياً يرتكز عليه العمل التنموي. هو أمانة في عنق كل مسؤول وموظف، صيانته واجب أخلاقي ومهني لضمان استمرار الخدمات وتحقيق العدالة الاجتماعية.
الاعتداء على هذه الموارد انتهاك لثقة المجتمع والدولة، وخيانة للمسؤوليات التي أُنيطت بمن يشغلون المناصب. فالمحاسبة ليست مجرد إجراء قانوني، بل ضرورة لحماية حقوق المواطنين وتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص.
مواجهة الفساد لا تقتصر على التصدي لمحاولات الاستيلاء على المال العام، بل تتطلب من المسؤولين التزاماً دائماً بسلوك مهني نزيه، ورفضاً واضحاً لأية ممارسات إدارية خاطئة، مهما بدت بسيطة. فالمناصب الإدارية تُحمّل أصحابها مسؤوليات تتجاوز الأوامر والتعليمات، لتصل إلى مستوى الأمانة تجاه الوطن وأبنائه.
من هنا، فإن من واجب كل مسؤول أن يعمل بضمير حي، وأن يضمن بيئة إدارية تقوم على العدالة، وترفض الظلم والتهميش.
العديد من قضايا الفساد وخيانة الأمانة التي تم التعامل معها من قبل الجهات المختصة لم تتحصل على التغطية الإعلامية الكافية، وذاك قد يصنع انطباعاً عاماً بأن هناك تباطؤاً في المحاسبة أو أن بعض المتجاوزين في مأمن، وهذا ليس صحيحاً بناء على ما نعرفه من حقائق.
وعليه، فإن إبراز نتائج التحقيقات والإجراءات المتخذة بحق المتورطين، خطوة مهمة نحو تعزيز ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة. فالمجتمع بحاجة إلى أن يرى بشكل واضح أن القانون يُطبق على الجميع دون استثناء.
ما أعنيه، أن تكون ممارسات مكافحة الفساد ومساءلة المتجاوزين جزءاً من المشهد العام، بحيث يشعر المواطن أن هناك خطوات قوية لصون المال العام وحماية مؤسسات الدولة من أي عبث أو استغلال.
من خلال هذا المستوى من الشفافية، يمكن تعزيز الثقة والقناعة بأن البحرين تمضي بخطى ثابتة نحو ترسيخ مبادئ النزاهة والعدالة، وصون مقدراتها من أي تجاوز وممارسات مرفوضة.