كما كان متوقعاً، انعدم الأمن الغذائي في غزة، وهذا ما أكدت عليه الأمم المتحدة في أحدث تقاريرها، الذي وضع قطاع غزة في تصنيف المرحلة الخامسة من مراحل الأمن الغذائي، وهي المرحلة الأسوأ، التي من صفاتها: الجوع الشديد والموت والعوز والمستويات الحرجة للغاية من سوء التغذية الحاد.
تصنيف الأمم المتحدة لهذه المرحلة «الخامسة» سبقته مراحل أخرى سيئة يتعرض لها الأخوة الفلسطينيون في غزة، وهي المرحلة الرابعة التي تسمى مرحلة انعدام الأمن الغذائي الحاد «الطارئ»، ويقع ضمن هذه المرحلة 1.07 مليون شخص (54% من السكان)، أما المرحلة الثالثة فتشمل 396 ألفاً (20% من السكان)، وهي مرحلة انعدام الأمن الغذائي الحاد «الأزمة»، والمقلق في الأمر أن تلك المراحل قد تتعدى قطاع غزة، لتشمل مناطق فلسطينية أخرى ذكرها تقرير الأمم المتحدة بالاسم، وهي: دير البلح وخان يونس، اللتان توقعت الأمم المتحدة أن تمتد المجاعة فيهما مع نهاية سبتمبر المقبل.
تحذيرات عديدة قدمتها الأمم المتحدة على مدى الشهور الماضية، حذرت فيها من تفاقم الأوضاع في قطاع غزة، وتحديداً المجاعة التي تهدد حياة ما يقارب من 641 ألف شخص إذا ما استمرت هذه الأوضاع حتى سبتمبر، كما أشار التقرير المذكور، والغريب أن الأمم المتحدة أكدت أن هذه الكارثة هي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، بمعنى آخر، أن منطقتنا العربية، بالرغم من كوارثها العديدة، إلا أنها لم تتعرض لكارثة المجاعة، وانعدام الغذاء والمياه النظيفة والخدمات الأساسية.
كارثة المجاعة في غزة وصفها أمين عام الأمم المتحدة بأنها كارثة من صنع البشر وليست لغزاً، نعم إنها ليست لغزاً، بل هي من صنع إسرائيل تحديداً، ويشترك معها كل من دعم مواقفها، أو صمت عن جرمها وعبثها بحياة إخوتنا الفلسطينيين، وتركهم للأسوأ الذي تصاعد ووصل إلى كارثة المجاعة المرعبة، التي اعتبرها لا تقل خطورة عن كارثة الحرب والقصف التي يواجهها أيضاً أهالي غزة منذ عامين تقريباً.
إن إقرار الأمم المتحدة بكارثة المجاعة في غزة يتطلب معها مواجهتها بشجاعة، من خلال إجبار إسرائيل على إنهائها فوراً، وإلزامها بموجب القانون الدولي بتأمين وصول الإمدادات الغذائية والطبية إلى السكان في القطاع، كما أكد على ذلك أمين عام الأمم المتحدة، وحتى لو تمنعت إسرائيل عن الاستجابة لدعوات الأمم المتحدة، فلابد من التحرك الفوري من العرب والمنظمات الدولية للضغط على إسرائيل، وعدم تركها تعيث مزيداً من الفساد في غزة، والسلاح المستخدم ضدها هو سلاح المصالح -كما أشرنا في مقال سابق- فإسرائيل ومن يدعمها هم عبيد مصالحهم، التي سيقدمون لأجلها التنازلات، في حال مجرد الإحساس بتضررها، فهل يُستخدم هذا السلاح قريباً؟.