في واحدة من العادات الاجتماعية الرقمية، أو ربما الطقوس -لا أعرف فحياتنا الاجتماعية لها وجه واقعي وآخر رقمي، والأخير متغلب على الأول- نلاحظ بين الحين والآخر، منشوراً لأحدهم يعلن فيه لمجتمعه الرقمي، أنه بحاجة إلى استراحة من صخب التواصل الاجتماعي، وأنه قرر الجلوس مع ذاته قليلاً، ومنح نفسه إجازة لإنعاش وضعه النفسي، وهنا تنهال التعليقات على منشوره لتشجعه وتدعمه في قراره، وتتمنى عودته من جديد، ومستوى لغة التعليقات يوحي بأن من قرر الاختفاء هو قائد الأمة الذي قرر الحصول على استراحة محارب، هذا إن كان صريحاً وواضحاً في منشوره، أما محبو الغموض فمنشوراتهم مختلفة توحي بمرورهم بظرف صعب، وهنا تجد التعليقات باتجاه محاولة الاطمئنان عليهم، أما هم على الجانب الآخر فسعداء جداً بما يقرؤون.

أسلوب الحياة في التواصل الاجتماعي فيها حالة تعرف بالديتوكس الرقمي (Digital Detox)، وهو مصطلح معناه أن الشخص سيعيش في فترة زمنية يبتعد فيها تماماً عن استخدام الأجهزة الإلكترونية بأنواعها طواعية، ما يعني أنه سيبتعد أيضاً عن التواصل الاجتماعي، وكل ما له علاقة بالإنترنت، والهدف هو تقليل الإجهاد التي تسببه هذه الأجهزة، وإعادة التركيز على العلاقات الاجتماعية الواقعية وتحسين الصحة النفسية والجسدية، وهو لا شك أمر مطلوب لكل شخص كلما دعت الحاجة لذلك، لكن ما نراه أن هذا الأمر أصبح تقليعة عند مستخدمي وسائط التواصل الاجتماعي شأنه شأن الحمية وعمليات التجميل وغيرها من السلوكيات، والنتيجة يطل علينا البطل المغوار متخذاً قراره بالتنحي عن موقعه -لفترة قصيرة- معلناً عن ذلك في نفس الوسائط التي قرر التنحي عنها، ويبقى بعد الإعلان بانتظار الجماهير تطلب عودته والتخلي عن قراره، أو تشيد ببطولته العظيمة، المضحك في الأمر أن الإعلان بحد ذاته تواصل وانغماس فيما قرر الفرار منه، والمضحك أكثر، أن عملية التنحي هذه أو الديتوكس، من المفترض أن تأخذ وقتاً كافياً لتأتي بثمارها، لكنها في العادة تمتد لساعات قليلة، بعدها يعود إلى ما كان عليه، حاله حال من قرر الامتناع عن شرب الشاي بالسكر، فجرب مرة واحدة، ثم عاد إلى وضعه.

لكن بعيداً عن النقد، نحن بالفعل نحتاج إلى «إعادة تنشيط» من خلال الابتعاد عن استخدام الأجهزة الإلكترونية بكل أنواعها، لأن أقرب جهاز لنا وهو الهاتف تحول إلى شريك حياة، فهو أول ما ننظر فيه صباحاً، وآخر ما ننظر إليه قبل النوم، وبين هذا وذاك علاقتنا به كعلاقة التوأم السيامي، والنتيجة مشاكل صحية كثيرة، ونحن بحاجة فعلية لما يعرف بالديتوكس الرقمي، لاستعادة السيطرة، ولكن ليس كما هو شائع اليوم، ففعلياً لا يمكننا هجر التكنولوجيا، ونحتاج فقط إلى تحويل علاقتنا بها إلى علاقة صحية مقبولة، وذلك يكون بديتوكس رقمياً مصغراً، بمعنى أننا لسنا بحاجة للاختفاء التام، ولكن يمكننا ترك الهاتف في الساعة الأولى من اليوم، وتركه أثناء تناول الطعام، ويمكننا إلغاء 90% من إشعارات الهاتف الحالية، كما يمكننا الخلوة بأنفسنا من عشرة إلى عشرين دقيقة مرتين في اليوم، وكل ذلك بدون دراما وإعلانات للجمهور وإعلامهم بما نفعل.

علينا أن نعرف أن الهدف ليس التخلص من التكنولوجيا التي بين أيدينا، إنما معرفة أنها موجودة لخدمتنا لا لنخدمها.

* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية