في عصرنا هذا أصبح الأمن الغذائي يشكّل مطلباً محورياً في سياسات الدول عالمياً، ويأتي ضمن أولويات الأمن الإستراتيجي للبلدان النامية والمتقدّمة على حد السواء. فالأمن الغذائي يحقق الاكتفاء الذَاتي، ويلعب دوراً حاسماً في تحقيق الاستقرار الاجتماعي على عدة مستويات.

- استراتيجية وطنية للأمن الغذائي:

وقد برز الأمن الغذائي كعنصر رئيسي شاغِل للتنمية المستدامة في أنحاء العالم، والنمو في منطقة الشرق الأوسط التي تواجه تحديات كبيرة، في الموارد الطبيعية، وقد استجابت مملكة البحرين لهذه التحديات من خلال وضع استراتيجية وطنية ترتكز على تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات الغذائية.

- توجُّهات تَعنَى بالموارد البحرية:

وفي إطار هذه الاستراتيجية الوطنية، لتحقيق الأمن الغذائي، انطلاقاً من الحفاظ على الموارد الطبيعية، وترشيد استغلالها، كانت أبرز الإجراءات، التي تزخر بها وتختص بها المملكة، حيث جاءت توجيهات حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، لإصدار ضوابط قانونية، من شأنها المحافظة على الثروة السمكية وحمايتها وتنميتها باعتبارها من أهم الموارد الغذائية للمواطنين، وأحد مصادر العيش ودخل الفرد.

- القرار رقم (4) لسنة 2025.. إصدار توجيهات سامية:

وتنفيذاً لهذه التوجيهات السامية، ودعماً لجهود الحكومة في ذلك، برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، في الحفاظ على الثروة البحرية، ورفد الأمن الغذائي في مملكة البحرين، أصدر سمو الشيخ عبدالله بن حمد آل خليفة، الممثل الشخصي لجلالة الملك المعظم رئيس المجلس الأعلى للبيئة، القرار رقم (4) لسنة 2025 بتنظيم ترخيص الصياد البحريني لممارسة الصيد البحري التجاري، والقرار رقم (6) لسنة 2025 بشأن ضوابط الصيد باستخدام الشباك والقراقير والحضور وخيوط الصيد (الخِيّة).

- خطوة جديدة تدخل حيّز التنفيذ:

فقد دخلت هذه الخطوة الجديدة حيّز التنفيذ، في الثامن والعشرين من أغسطس المنصرم، تحت قرار رقم (4) لسنة 2025 بعد مرور ستة أشهر على صدوره، ليصبح مُلزِماً لجميع الصيادين المسجلين في مملكة البحرين، فهذا القرار الذي أصدره المجلس الأعلى للبيئة، هو في الواقع لا يقتصر على تنظيم إجراءات ترخيص الصيادين، بل يحمل في جوهره رؤية وطنية واستراتيجية تهدف إلى تعزيز حضور الصياد البحريني وضمان استدامة الموارد البحرية.

- من قرارات إدارية إلى رؤية استراتيجية:

وبالتالي فإنّ هذا القرار تَمتَدُّ آفاقه من قرارات إدارية إلى ملامسة رؤية استراتيجية، فهو مُغايِر لِقرارات سابقة عمِلت على ضَبط أدوات الصّيد أو تحديد مواسمه، جاء القرار الجديد ليركز على الإنسان أولاً، فقد إِشتَرط أن يكون التَّرخيص شخصياً غير قابل للتّنازل، وأن يكون المتقدِّم بحريني الجنسية، كما إشترط العمر الملائم، والكفاءة المطلوبة، مع ضرورة وجود الصياد البحريني على متن أيّ السفينة. وحَظَرَ القرار العمل لدى غير صاحب التّرخيص، ووضع سقفاً محدداً لعدد أفراد الطاقم بما يتناسب مع حجم السفينة، في خطوة تهدف إلى كسر احتكار العمالة الوافدة للمهنة وتحقيق الأولوية للعنصر الوطني.

- الصياد البحريني محور الحماية والاستدامة:

وبذلك يؤكد القرار أن نجاح جهود حماية البحر واستدامة موارده يبدأ من تمكين الصياد البحريني نفسه، ويَعتبِره شريكاً أساسياً في صون الثروة البحرية، وحامل رسالة اجتماعية وبيئية تتجاوز حدود العمل الاقتصادي. ومن خلال هذا التمكين، يتحول الصياد من مجرد مستفيد من القوانين إلى ركيزة تقوم عليها السياسات الوطنية المرتبطة بالأمن الغذائي والتنمية المستدامة.

- حماية للموارد وتعزيز للأمن الغذائي:

كما أنَّ القرار يَحمِل أبعاداً وطنية تتجاوز تفاصيله الإجرائية، فبقدر ما يعمل على تنظيم المهنة، فهو يسعى إلى أهداف بعيدة المدى تتمثل في ضمان الأمن الغذائي عبر زيادة الاعتماد على الإنتاج المحلي، والحفاظ على الموارد الطبيعية من مخاطر الاستنزاف، وترسيخ الممارسات المسؤولة التي توازن بين الاستغلال والحماية.

- نقلة نوعية في السياسات البحرية:

هكذا يمكن القول إن القرار رقم (4) لسنة 2025 شَكّل نقلة نوعية في السياسات البحرية للمملكة، ولم يُسَن ليكون مجرد تشريع تنظيمي، بل ليعكس إرادة سياسية ورؤية استراتيجية تسعى إلى حماية الموارد الطبيعية، كما تسعى إلى تعزيز مكانة الصياد البحريني كقائم على الثروة البحرية والحفاظ عليها وشريك في تنميتها، وليؤكد أن البحرين تمضي بخطوات ثابتة نحو موازنة ضرورات الاقتصاد مع استحقاقات البيئة والهوية الوطنية.