في لحظة فارقة من وعي الدولة وحرصها على صيانة بنيانها الاجتماعي، جاء لقاء معالي وزير الداخلية معالي الفريق أول الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة بخطباء المساجد ورجال الدين، بحضور وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف سعادة نواف المعاودة، ليعكس رؤية القيادة البحرينية في تحويل المنبر الديني من مساحة وعظ فردي إلى ركيزة وطنية جامعة، تتشابك فيها قيم الدين مع مقتضيات الأمن، وينصهر فيها صوت الحكمة مع صوت القانون في إطار شراكة مجتمعية شاملة، هذا اللقاء لم يكن بروتوكولاً عابراً، بل يمثل امتداداً لنهج البحرين العريق في مد جسور الحوار بين مختلف المذاهب والطوائف، ليؤكد أن الوطن لا يحيا إلا بوحدة أبنائه، وأن الأمن لا يستقيم إلا بترسيخ القيم الجامعة، مصداقاً لقوله تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا»، «آل عمران: 103».

لقد كان الوزير واضحاً في طرحه، إذ شدّد على أن ما تنعم به المملكة من أمن وأمان واستقرار هو حصيلة سنوات من الجهد والتضحيات، وثمار قيادة رشيدة أعلت من شأن التماسك الوطني وجعلته درعاً واقياً أمام رياح الفتن التي تعصف بالإقليم، ومن هنا تتضح حكمة الدعوة إلى هذا الاجتماع، حيث يتحول المنبر الديني إلى شريك أصيل في حماية النشء، وتعزيز القيم الأصيلة، والوقوف سداً منيعاً أمام كل محاولات التفرقة وزرع بذور الطائفية، في انسجام مع قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ»، «النحل: 90».

إن أهمية مثل هذه اللقاءات تكمن في قدرتها على إنتاج خطاب ديني موحد في مقاصده، متنوع في اجتهاداته، لكنه متفق على أولوية الوطن وحتمية السلم الأهلي، ومن شأن تكرار هذه اللقاءات أن يرسّخ قاعدة مستمرة للتشاور والتقارب، ويؤسس لثقافة جديدة قوامها الحوار البنّاء بين مختلف المذاهب والديانات، تحت مظلة الدولة الجامعة التي لا تفرّق بين أبنائها، وهو ما يجعل البحرين أنموذجاً فريداً في المنطقة، يقدّم للعالم صورة مشرقة لوطن صغير بحجمه كبير بدوره، يحتضن الجميع ويحمي وحدتهم من رياح العواصف الإقليمية والدولية.

إن الرؤية البحرينية، كما عبّر عنها معالي وزير الداخلية، تنطلق من إدراك عميق أن الأمن ليس وظيفة شرطية فحسب، بل هو ثقافة وسلوك وتربية تبدأ من البيت، وتتجذر في المدرسة، وتترسخ على المنبر، لذلك فإن المسؤولية اليوم لا تقع على رجال الدين وحدهم، بل هي مسؤولية كل مواطن، بغض النظر عن مذهبه أو دينه أو خلفيته الفكرية، فالوطن يتسع للجميع، ولا سبيل لحمايته إلا بالتماسك والتلاحم والوقوف صفاً واحداً أمام كل محاولات شق الصف أو استيراد الفتن.

إن البحرين وهي تخطو بثبات في محيط إقليمي ملتهب، تؤكد عبر مثل هذه اللقاءات أن وحدتها الوطنية هي خط الدفاع الأول، وأن صوت الدين عندما يلتقي مع صوت الدولة يخلق انسجاماً فريداً يزرع الطمأنينة في القلوب ويعزز مناعة المجتمع، وما أحوج الأمة العربية اليوم إلى أن تستلهم هذا النموذج، حيث تقضي على الفتن في مهدها، وتُوأد دعوات الانقسام، ويُبنى وطن يتسع لأبنائه جميعاً، ليبقى أماناً وسلاماً يضيء طريق المستقبل.* إعلامية وباحثة أكاديمية