الأسبوع الماضي رحل رئيس مجلس إدارة شركة يوسف بن أحمد كانو الوجيه خالد محمد كانو رحمه الله، وقبل تسعة أشهر، وفي نوفمبر 2024 تحديداً، رحل رئيس مجلس إدارة شركة يوسف خليل المؤيد وأولاده، الوجيه فاروق يوسف المؤيد رحمه الله، وفي سبتمبر من العام ذاته رحل الوجيه أحمد منصور العالي مؤسس المجموعة الاقتصادية التي حملت اسمه، رحمه الله، والمجموعات: كانو والمؤيد وأحمد منصور العالي إحدى أعرق الكيانات التجارية على مستوى البحرين والخليج.
ومع انتقال إدارة تلك المجموعات لجيل جديد من العائلة، يتجدد الحديث عن حاضر ومستقبل الشركات العائلية في البحرين: هل ستحافظ على إرث الإدارة الذي ظل سائداً لعقود طويلة كما فعلت الأجيال السابقة؟ أم سيتخذ القائمون عليها خطوات جدية نحو الحوكمة، والتحول إلى شركات مساهمة عامة مدرجة في بورصة البحرين أو بورصات أخرى.
في الواقع، هذا الحديث ليس جديداً، بل هو متجدد، فمع تعدّد وتشعّب الملاّك والإداريين من أفراد العائلة وربما اختلاف آرائهم وتوجهاتهم وأساليبهم في القيادة والإدارة، يسعى كبار قادة الشركات العائلية البحرينية للحفاظ على كيان الشركة موحداً بالدرجة الأولى، وضمان تنمية أعمالها وأرباحها والتوسّع في أنشطتها ثانياً، ولا ننسى أن الوجيه الراحل خالد كانو هو من أسّس جمعية الشركات العائلية في البحرين، وهدفها إثراء النقاش من أجل الحفاظ على حاضر ومستقبل تلك الشركات.
وفي الواقع أيضاً، إن فوائد إيجاد وسائل تضمن تماسك واستمرار الشركات العائلية البحرينية ليس في مصلحة هذه الشركات فقط، بل في مصلحة الاقتصاد الوطني البحريني ككل، فهناك دراسات وباحثون يقدرون أن الشركات العائلية في مملكة البحرين تستحوذ على 40 إلى 60% من نشاط القطاع الخاص، وبالتالي توفر عشرات آلاف فرص العمل، وتسهم في تنويع مصادر الدخل، وتقود أنشطة اقتصادية كثيرة كالإنشاءات والنقل والضيافة وتقنية المعلومات وغيرها الكثير.
وأنا أعلم أن كثيراً من الشركات العائلية البحرينية إن لم يكن معظمها لديها ما يشبه دساتير داخلية مكتوبة ومتفق عليها، توضح آلية انتقال الإدارة من جيل إلى آخر، والمُدد الزمنية لشغل وتدوير المناصب القيادية، وتوزيع العوائد بين الملاّك، وتتضمّن أدوات لرصد الأداء، ورسم المسار الوظيفي لأبناء العائلة الذين يتسلمون مناصب في الشركات المملوكة أو التابعة للشركة العائلية الأم، وغير ذلك.
هذا الدستور الداخلي يضمن إلى حد ما تماسك الشركة العائلية، وتناغم أفرادها، وإعطاء كل ذي حق حقه، ويقلل من احتمالات حدوث خلاف أو الشعور بالضيم بينهم، وقد ارتضته الشركة لنفسها، لكن ربما تكون الحوكمة أشمل من ذلك، فهي تضمن وضع لوائح داخلية واضحة، وتشكيل مجالس إدارة فعّالة، واعتماد الشفافية في التقارير المالية، وضمان الفصل بين الملكية والإدارة.
ومع التوجه المتزايد في دول الخليج تحديداً نحو الإدراج في البورصة، والطروحات المليارية التي نسمع بها في أسواق مثل دبي والسعودية، يبقى إدراج الشركات العائلية في البورصة خطوة استراتيجية مهمة جديرة بالتفكير، لما يتيحه من فوائد كبيرة، أبرزها تنويع مصادر التمويل، وزيادة الشفافية، وتعزيز السمعة، كما يوفر الإدراج للشركات القدرة على التوسّع والتطوير، ويعزّز من قدرتها التنافسية إقليمياً ودولياً، دون أن نغفل التحديات الناجمة عن الإدراج مثل إمكانية دخول مساهمين غير فاعلين، والاختلاف في تقييم الأصول بين أصحاب الشركة وسعر السهم بعد الإدراج.
كثير من العائلات التجارية البحرينية تخطت ما يسمى بـ»عقبة الجيل الثالث» الذي غالباً ما تتعثر الشركة معه وتتلاشى، فقد وصلت عائلة كانو اليوم إلى الجيل السابع، وعائلة المؤيد إلى الجيل الرابع، والزياني كذلك، وكثير من العائلات التجارية البحرينية تُظهر تماسكاً جيداً جيلاً بعد جيل، لكن الاقتصاد والأسواق، وحتى المجتمع والإرث والعادات والتقاليد، باتت تتغير بسرعة أكبر، لذلك لا بأس من إبقاء الأعين مفتوحة على كل ما يضمن تماسك الشركات العائلة البحرينية ونموها.