في تطور خطير وغير مسبوق، شنّت القوات الجوية الإسرائيلية غارات على مواقع داخل الأراضي القطرية، بأسلحة لم يكشفها الرادار، في خطوة أثارت موجة من القلق الإقليمي والدولي. هذا التصعيد العسكري المفاجئ يُعد تجاوزاً خطيراً، ويطرح تساؤلات حول مستقبل الاستقرار في المنطقة، واحترام سيادة الدول، ويفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر تعقيداً. فاستهداف دولة قطر، التي لطالما لعبت دوراً دبلوماسياً في الملف الفلسطيني، قد يحمل رسائل سياسية تتجاوز البعد العسكري، ويضع المنطقة أمام تحديات جديدة في ظل غياب آليات ردع فعالة لعدوان مستمر ومتصاعد ومتعدد الأشكال.

وكعادة دول الخليج العربي تلتف حول بعضها البعض تأتي جميعها لتستنكر بأشد العبارات الاعتداء الإسرائيلي الغاشم والانتهاك السافر لسيادة دولة قطر، مؤكدين تضامنها الكامل ووقوفها ومساندتها في كل ما تتخذه من إجراءات ومحذّرة من العواقب الوخيمة التي تشنّها إسرائيل على قواعدها في تعدياتها الإجرامية وخروجها على مبادئ القانون الدولي وجميع الأعراف الدولية.

وربطاً بهذا التصعيد غير المسبوق، يأتي موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليكشف عن تناقضات صارخة بين الخطاب الدبلوماسي والسلوك العسكري على الأرض. فرغم تأكيد البيت الأبيض أن ترامب أُبلغ مسبقاً بالغارة الإسرائيلية على مواقع لحماس في قطر، أكدت قطر تواصلها مع أمريكا بعد 8 دقائق من بدء الغارة، ويعقب كل هذا تعبير الإدارة الأمريكية عن «الأسف» تجاه استهداف دولة حليفة تلعب دوراً محورياً في الوساطة، وهذا التناقض يطرح سؤالاً جوهرياً: ما هو السلام الذي يسعون إليه، وهل يمكن تحقيقه في ظل ضرب مفاوضي السلام أنفسهم؟

إن السلام الحقيقي في هذا السياق لا يمكن أن يُختزل في وقف إطلاق النار أو تبادل الأسرى والمحتجزين فحسب، بل لابد وان يتضمن احترام سيادة الدول وإنهاء الحصار فوراً على غزة، إذ لا يمكن الحديث عن سلام بينما يُحاصر أهل غزة ويُحرمون من أبسط حقوقهم في الغذاء والدواء والمأوى، فالمطلوب هو إعادة تعريف هدف السلام وسط كل هذه الفوضى، وتوصيف أبعاد الأمن ليشمل أمن المدنيين الفلسطينيين، لا أمن طرف واحد على حساب الآخر، وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية حقوق إنسان لا كملف أمني أو إرهابي كما يريده البعض، بل كقضية تحرير وكرامة، تستدعي حلولاً عادلة وشاملة، فالسلام يُبنى على العدالة، والسيادة، والكرامة الإنسانية.

ضحايا الإبادة الجماعية في قطاع غزة قدر حتى الآن بأكثر مما حصل في أي من الحملات العسكرية الـ35 بالقرن العشرين! وحرب غزة هي الأكثر فتكاً، فما لا يقل عن 60% من المباني و90% من المنازل في غزة، تعرّضت لدمار كلي ولأضرار جسيمة. وطالت آلة التدمير جميع جامعات غزة، ونحو 80% من مدارس القطاع ومساجده، وللعام الثالث على التوالي أطفال غزة بلا مدارس ولا تعليم، أما المستشفيات، فلا يعمل أي منها بطاقته الكاملة!! ودموع الأطباء خير شاهد على هول ما يحدث.

ولا تزال تواصل غزة دفع الثمن الأكبر، وتخضع لتبعات التهجير القسري المستمر، حيث تُجبر آلاف العائلات على مغادرة منازلها تحت وطأة القصف، دون وجود مأوى أو ضمانات للعودة. أحياء كاملة تحولت إلى ركام، والمدارس والملاجئ لم تعد آمنة، في مشهد يُجسّد انهياراً إنسانياً شاملاً، فالتعاطف العالمي لا يكفي، بل ثمة حاجة إلى تحرك سياسي ودبلوماسي عاجل، يُعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية، ويضع حداً لسياسة العقاب الجماعي التي تُمارس بحق المدنيين، إذ يجب أن يُعاد فتح الملف الفلسطيني على طاولة المجتمع الدولي، ليس كأزمة أمنية، بل كقضية حرية وحقوق إنسان، وأرض تستحق العدالة والكرامة، ومع هول كل ما يحدث يأتي تصريح رئيس الأركان الإسرائيلي الذي قال: «سنواصل القيام بمهامنا في كل مكان»!!