يا لها من معادلة صعبة، يحتاج الفرد إلى الدّيْن لكي يؤدي بعض المستلزمات الأساسية البعيدة عن الرفاهية، كقروض البناء للمساكن، وفرص التعليم، والعلاج وغيرها، وتكون على المدى القريب أو البعيد، ولكنها غالباً ما ترتبط بالتوتر، والقلق، والشعور بالضيق، وتؤثر على السعادة بشكل كبير وملموس.
إن إدارة الديون ليست بالإدارة السهلة على جميع المستويات، ويجب العمل على تقليلها أو الحد منها لكي يسهم ذلك بشكل إيجابي في تحسين الحالة المعيشية المرتبطة بالحالة النفسية وزيادة الشعور بالراحة والسعادة.
نأخذ مثالاً حياً على ذلك وهو مهنة الغوص في السابق للبحث عن اللؤلؤ التي كانت هي المهنة الرائجة في ذلك الوقت في البحرين ومنطقة الخليج العربي، رحلة الغوص كانت رحلة مشقة وفيها ما فيها من تعب الحياة وأعباء الديون على الغواصين التي يعطيها النواخذة إليهم قبل موسم الغوص، حيث كانت مهنة الغوص هي ذات الأهمية الاقتصادية السائدة في المنطقة، بالرغم من أنها كانت محفوفة بالمخاطر الجسدية والمعيشية، والنفسية، وكانت في أغلب الأحيان تضع الغواصين في زاوية الديون التي لا تنتهي.
والكل يعلم عن صعوبة المعيشة وقسوة العمل، حيث كانت حياة الغواصين قاسية وشاقة للغاية. كانوا يمضون شهوراً طويلة في عرض البحر يفترشون سطح السفينة ويلتحفون السماء، يتعرضون فيها للمخاطر، وهجمات الأسماك المفترسة، وناهيك عن أمراض الغوص المستعصية مثل الشلل النصفي الذي يتعرض له الغواص نتيجة الصعود السريع من الأعماق إلى سطح السفينة، كما أنه لا توجد الرعاية الصحية الكافية، وكان العلاج يعتمد على خبرة النواخذة في أخذ بعض والأدوية الشعبية التقليدية والكي وغيرها.
ولا ننسى أن الظروف المعيشية كانت على سفن الغوص بدائية جداً، حيث كان الطعام غير متوفر بالصورة المشبعة وشحيحاً جداً في بعض الأوقات وهو نفسه يومياً ولا يوجد فيه التنوع الذي يحتاجه جسم الإنسان، كما أن المساحة على ظهر السفينة ضيقة، والنظافة تكاد شبه معدومة تقريباً، وذلك يؤدي إلى انتشار الأمراض بين أفراد الطاقم «اليزوة».
أما عن باب الديون التي لم تنتهِ في حق من يركب البحر فإنها تتراكم وتزداد وتدور في حلقة مفرغة، وكما يعلم الجميع بأن ثقل الديون هو الأمر المرير والهم الأكبر على الغواصين وهو الشيء الذي يورث إلى أبنائهم وأحفادهم.
فقبل بداية موسم الغوص، تبدأ عملية التسقام، والتي هي عبارة عن سلفة أو قرض يُعطى لكل من على ظهر السفينة، ويُعد ذلك من قانون الغوص التقليدي السائد في ذلك الوقت، حيث إنه نظام مالي معقّد بين النواخذة والغواصين والسيوب، وتكون تلك العملية قبل بدء الموسم. كانت هذه السلفة تهدف إلى مساعدة الطاقم على تلبية احتياجاتهم وعوائلهم خلال فترة الشتاء التي يتوقف فيها العمل.
كما أن الطاقم بحاجة إلى مستلزمات أساسية لتأمين أسرهم خلال فترة غيابهم، لذلك كانوا يضطرون لأخذ بعض الأموال من النواخذة الذي يطلق عليهم نواخذة البحر أو من المستثمرين الرئيسيين الذين يطلق عليهم نواخذة البر. ويسمّى هذا النوع من الدّيْن بـالسلفة أو الخرجي.
لم تكن هذه الديون تُسدّد بالسهل. فبعد انتهاء موسم الغوص وبيع ما جنوه من اللؤلؤ، يقوم النواخذة بخصم قيمة السلفة والخرجي والتي تسمى بالحسبة، وهكذا كان الغواص يدخل في عملية الديون المتزايدة موسماً تلو الآخر.
وكان هذا النظام يضمن تبعية الغواص للنوخذة، ولا يستطيع ترك العمل أو الانتقال إلى سفينة أخرى ما دام مديناً له.وأما عن التعب الجسدي فهو من المجهود البدني، في حين أن التعب الفكري ينتج عن ضغوط نفسية.لقد كانت قصة الغوص قصة كفاح إنساني مرير ضد قسوة الحياة.