دائماً أؤكد في المحاضرات الإدارية التي أقدمها بأن التراث النبوي يظل منبعاً خالداً للحكمة ومصدراً غنياً للإلهام القيادي.

من أعمق ما ورد في هذا الجانب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته». وهو حديث موجز في ألفاظه، واسع في دلالاته، يصلح أن يكون ميثاقاً إدارياً شاملاً لكل من يتولى القيادة أو يتحمل مسؤولية.

يرسّخ هذا الحديث الشريف مبدأً جوهرياً في علم الإدارة، وهو أن السلطة ليست امتيازاً يُمنح، بل أمانة يتحملها القائد تجاه من يقودهم. فالقائد لا يمارس دور المتسلّط، بل يتقمص دور الراعي الحريص على مصالح من تحت رعايته، الساعي لدعمهم وتطويرهم، ومساندتهم في مواجهة التحديات.

لابد وأن ندرك هنا بأن نجاح المؤسسات لا يقوم على جهود القادة وحدهم، بل يتطلب وعي كل فرد بدوره، بوصفه مسؤولاً عن مهمته، يساهم في تحقيق الأهداف الكبرى للمنظمة.

كذلك، يبرز الحديث النبوي قيمة العدالة في الإدارة، حيث يؤكد على أن معيار التقييم ينبغي أن يكون الكفاءة وتحمل المسؤولية، لا المحاباة أو التحيّز. فعندما يشعر الموظف بعدالة قائده، تتعزز ثقته بالمنظومة، ويرتفع مستوى انتمائه، وهو ما ينعكس مباشرة على الأداء وجودة الإنتاج.

ومن أبرز ما يمكن استخلاصه من التوجيه النبوي الشريف، هو أهمية الرؤية والتوجيه القيادي. فكما يقود الراعي قطيعه إلى المراعي الآمنة، ينبغي على القائد أن يرشد فريقه نحو المسارات الصحيحة، ويوفر لهم رؤية واضحة، ويكون حاضراً وقت الحاجة، لا غائباً ولا متعالياً. هذه المقاربة تضمن تحقيق النتائج، وتخلق في الوقت ذاته بيئة عمل إنسانية يشعر فيها الجميع بقيمتهم.

من الضروري أن نُدرك أن ديننا الإسلامي ليس حزمة شعائر تؤدى فقط، بل هو منهاج متكامل يمكن توظيفه في مختلف مجالات الحياة، ومنها الإدارة والقيادة. فالقرآن الكريم والسنة النبوية حافلان بتوجيهات ربانية تؤسس لبناء الإنسان وتنمية المجتمعات. وتكمن مسؤوليتنا في تطبيق هذه القيم عملياً، لا أن نكتفي بالانتماء الاسمي للدين، بل أن نترجم إيماننا إلى سلوك وممارسة واقعية.

وعليه، فإن هذا الحديث الشريف يقدم نموذجاً قيادياً خالداً: «القيادة مسؤولية، والرعاية التزام، والعدالة أساس، والتوجيه ضرورة». وإذا ما تبنّى القادة هذا المنهج في مؤسساتهم، فإنهم لا يحققون فقط التميز الإداري، بل يسهمون في بناء بيئة عمل متوازنة تُخرج أفراداً فاعلين ومجتمعاً منتجاً.