في كلمته في اجتماع القمة العربية الإسلامية في الدوحة قال جلالة الملك المعظم «نحن أمـة ملتزمة بـالـسـلام، ونـتـخـذه نهجاً أسـاسـيـا ًوثابتاً لمستقبل أجـيـالـنـا، نـُعـلـي قـيـم الـتـسـامـح والـتـعـايـش والإخاء، ونسعى جاهدين لصون كرامة الإنسان وحريته وحقه في حياة كريمة».
الالتزام والثبات بالسلام سمة أساسية من سمات سياسة مملكة البحرين، وقبل أن نعلق على هذه الكلمة السامية دعونا نذكر قصة.
سأحكي لكم حكاية:
عام 1913م نجح الملك عبدالعزيز آل سعود في ضم الأحساء والقطيف وتخليصها من العثمانيين، فما كان من الكتيبة التركية التي كانت موجودة هناك إلا أن فرت ولجأت إلى البحرين بتشجيع من البريطانيين الذين كانوا يناصبون الملك عبدالعزيز العداء، وما إن علم الشيخ عيسى بن علي بوجود الجنود الأتراك على أرض البحرين، حتى أمر بترحيلهم فوراً، بل وكتب إلى السلطان العثماني يطلب منه أن لا يتخذ من البحرين مكاناً أو محطة للاعتداء على الآخرين أو تهديدهم.
هذا النهج، وتلك هي السياسة بعدم استغلال أرض البحرين لتكون موقعاً للصراعات الكبرى سياسة ذكية التزمت بها البحرين، واتخذتها منهجاً ثبتت عليه إلى يومنا هذا منذ عهد الشيخ عيسى بن علي إلى عهد الملك حمد بن عيسى والبحرين لا يمكن أن تسمح أن تكون مأوى أو مقراً لكائن من كان تحت أي حجة أو بند أو مبرر يشكل تهديداً أو مصدراً لقلق لأي من الدول الأخرى.
تعلم البحرين أنها لو فعلت ذلك فإن من احتضنتهم سيتحولون عاجلاً أم آجلاً لمصدر تهديد للبحرين نفسها عدا عن كونهم مصدر تهديد لمن التزموا معها باتفاقيات أمنية، وتلك رؤية حكيمة، وبُعد نظر يعلم أن الجرأة والمجازفة ليس لهما مكان حين يتعلق الأمر بسلامتنا وسلامة من يعزون علينا.
السمعة التي اكتسبتها البحرين طوال تاريخها ونجحت في الثبات عليها لم تكن أمراً سهلاً، بوجود المغريات الكثيرة من حولها تلك التي تعرض عليها وعلى غيرها بأن تلعب دوراً، وأن تقوم بمهام محددة لصالح أجندات أجنبية.
مهام ممكن أن تعرض أمنها وأمن من حولها لخطر وأن تصبح فيما بعد جزءاً من الصراعات المعقدة، فكان رفض مثل هذه العروض خاصة حين تكون من قوى عظمى ليس بالأمر الهين، والالتزام بخط ومنهج ثابت مسؤولية كبيرة ملقاة على الحكم لا يجازف بأمن وسلامة الوطن ولا أمن وسلامة من حوله.
وبالرغم من أن البحرين لها خصوم وطامعون وأعداء ومتآمرون طوال تاريخها، إلا أنها لم تستلم لإغراء اللعب بالنار والسماح بتهديد أمن المنطقة من أجل مكاسب محدودة غير ذات فائدة على المدى البعيد.
حين تكون جزءاً من منظومة كبيرة، وتلتزم معها باتفاقيات وتعهدات لابد وأن يكون الأمن الجماعي هو المرجعية التي تتخذها حين تحدد سياساتك بحيث تكون متفقة ومتناسقة مع متطلبات ذلك الأمن الجماعي وبالتنسيق مع الكل حتى حين تتعرض لخطر يلتزم الجميع بالحفاظ على أمنك على قدر التزامك بالحفاظ على أمنهم.
جلالة الملك المعظم حفظه الله حين ذكر التزام البحرين وثباتها على أنه منهج لم تحد عنه عبر التاريخ إلى اليوم، فهو يؤكد على ما تعاهدت البحرين عليه مع أي طرف آخر، سواء كانوا دول مجلس التعاون أو غيرهم.
فلم تكن أرض البحرين، ولن تكون بإذن الله مصدراً لتهديد أو مصدراً لتعريض أحد للخطر.