- قد لا تتغير الأحاسيس أحياناً، لكنها قد تتذوق المعاني بأسلوب آخر، أو تتغير بتغير المواقف، وتبدل الأفراد وطبيعة البيئات. فبعض الأشخاص تجد أحاسيسهم تجاهك ثابتة لا تتغير؛ يُحبونك منذ البداية، ويعشقون الصور التي تجمعكم، إذ يترنمون بتاريخكم المشترك، ويتتبعون أثر الخطوات التي مشيتها في مسير العطاء. فتجدهم لا يفرطون في أي فرصة سانحة إلا وسارعوا ليكونوا بقربك، ليتلذذوا معك بأحاسيسهم في ساعة السعادة التي قد لا تتكرر في مرات أخرى. المحبة الحقيقية أن تتواصل مع تلك الأحاسيس التي أحببتها، وتحفظها في غيابها، ولا ترضى أن تجرحها ولو بخدش بسيط. فلا تتغير بتغير المواقف، بل تظل في مقدمة الركب في كل أحوال الحياة.
- كلما استحضرنا بعض المواقف التي عاشها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قائد الأمة، زاد شعورنا بالاعتزاز لهم، فقد ذاقوا أجمل الأحاسيس، ونمت نفوسهم على معاني الآخرة، وعشق «الفردوس الأعلى». وتمنينا لو كنا عشنا معهم بالقرب من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. لكن سلواننا في كل حين، أننا من أصلاب أمة النبي صلى الله عليه وسلم، وإخوانه الذين تحدث عنهم أمام صحابته. فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً إلى المقبرة، فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ودِدت أني قد رأيت إخواننا».
قالوا: يا رسول الله، ألسنا إخوانك؟ قال: «بل أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطهم على الحوض». قالوا: يا رسول الله، كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: «أرأيت لو كان لرجل خيل غر مُحجّلة في خيل بُهم دُهم ألا يعرف خيله؟» قالوا: بلى. قال: «فإنهم يأتون يوم القيامة غرًا مُحّجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض». وروى ربيعة بن كعب الأسلمي: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: سل. فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال: «أو غير ذلك». قلت: هو ذاك. قال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود». لذا، ينبغي أن نعشق هذه الصور التي تجعلنا في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وتجعلنا رفقاء النبي صلى الله عليه وسلم، لنتلذذ بالأحاسيس معه في جنة باقية. فاللهم ارزقنا جواره، واسقنا من يده الشريفة شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً.
- تعجبني صورة القائد العادل في ميدان عمله، عندما يكون قريباً من العاملين، واثقاً بعطائهم وقدرتهم على الإنجاز، محفزًا لهم، عاملاً معهم في مهامهم، مختاراً الأكفاء المبدعين في تخصصاتهم، ليقينه بأنهم قادرون على صناعة الأفضل، وتطوير العمل والارتقاء به، ولثقته بهم في صناعة التميز المنشود. القائد الذي لا يمتد بصره إلى مجموعة صغيرة اعتقد أنها الأفضل في صنع ما يُريد، بينما يغض الطرف عن أولئك الأكفاء الذين لم يُكلفوه عناء المتابعة. مازلت على يقين بأن البيئة التنافسية الإبداعية التطويرية هي تلك التي يقودها القائد الفذ، الحصيف، الحكيم في أقواله وأفعاله، الذي لا ينظر إلى الإنجازات بمنظور بطيء قائم على ثلة من الأفراد الذين يجعلون الهالة على صغائر الأعمال لتوهم القائد بأنها إنجازات عظيمة. القائد الذي لا ينشغل بتفاصيل الأمور على حساب القيمة الإنتاجية للأعمال، وتطويرها، والإبداع في أسلوب تنفيذها.
- جميلة هي «صور التاريخ» التي نعشق أحاسيسها، ونعتز بمواقف الخير والتربية التي ربّت الأجيال تحت أكنافها. لكن من المؤسف حقًا أن نتخلى في لحظة عن تلك الصور، ونعتبرها مجرد لحظات مرت وانتهت، وجاءت أجيال جديدة لا تحترم تلك الأحاسيس، وتسعى لهدم تاريخ الإنجازات ومهد التطوير، الذي امتد لسنوات طويلة، أبطاله أولئك الذين أسسوا وأعطوا وضحوا لترك أثرهم الجميل، وقد تركوه بالفعل. اليوم نحن أمام فصل جديد من العطاء في كل الميادين، فصل يُبنى على عطاء من سبقنا، والتطوير بعقول شبابية إبداعية. صور يجب أن تُبرز وتُؤطر في فصول حكايات النجاح، فهناك تفاصيل صغيرة عشقها أصحابها، وأصبحت اليوم ميداناً شامخاً للعطاء والتطوير.
- صورة عشق أحاسيس الترنم بمعاني التربية القرآنية، وعطاء تعليم القرآن الكريم وتعلّمه في الوقت ذاته، هي صورة متجددة في حياتك، إن أحسنت فيها صنيع الأثر الذي تتركه في نفوس كل من تعلّمه كتاب الله الكريم، وعملت على تجديد نيتك. عشق صور الجلسات القرآنية عشق لا ينتهي، وعشق تلاوته عشق تتوق فيه النفس لحجز منازلها العليا في الآخرة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه». صور عشق لأحاسيس تتحدث عن الأثر الذي تركته في أولئك الذين علّمتهم كيف يقرؤون كتاب الله تعالى تلاوة وتجويداً، وكيف يعيشون التأمل في الآيات القرآنية، وكيف يعشقون صور الأجور الخالدة في الجلسات القرآنية التي تحفها الملائكة وتغشاها الرحمة وتنزل عليها السكينة، ويذكر المولى روّادها عنده في عليين. فهنيئاً لعاشق القرآن.
ومضة أملنعشق صور الخير والعطاء ما حيينا، ونعشق «الفردوس الأعلى» فهي غايتنا الأبدية.