توقيع اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك بين السعودية وباكستان في ١٧ سبتمبر ٢٠٢٥ وبعد ثمانية أيام فقط من الاعتداء الإسرائيلي المباغت على الدوحة يرسل رسالة مفادها أن التحالفات السعودية العسكرية لا تقتصر على حليف واحد. وبلا شك أن الاتفاقية التي تنص على أن «أي اعتداء على أي من البلدين هو اعتداء على كليهما»، هي تتويج رسمي إضافي لعلاقة تعاون وثيقة ربطت البلدين منذ ١٩٥١، أي منذ أن تم توقيع اتفاقية الصداقة بينهما وتعيد إلى الأذهان التواجد الباكستاني العسكري بعدد أفراد وصل إلى ١١ ألف جندي للمساندة في جهود حماية الحدود السعودية إبان الغزو العراقي للكويت.
على مر السنوات، ساهمت السعودية بشكل سخي ومهم في دعم الدولة الباكستانية، فأنشأت الجامعة الدولية في إسلام آباد وجامع الملك فيصل في المدينة نفسها، وقدمت الدعوم المالية الكبيرة وأبرزها مبلغ ٢٠٠ مليون دولار للبنك المركزي الباكستاني لضمان الاستقرار المالي و ٢٠٠ مليون دولار أخرى لشراء سماد (اليوريا) لدعم القطاع الزراعي. كما أن جنرالات باكستانيين في تصريحات متفرقة ألمحوا لوجود دعم سعودي للصناعة العسكرية الباكستانية، والذي أثمر عن تصنيع وتطوير أسلحة متقدمة ورؤوس نووية متعددة. أيضاً، تستضيف السعودية أكبر جالية باكستانية تعيش خارج باكستان وبعدد يصل إلى مليوني شخص يسهمون في تحويل ٧ مليارات دولار سنوياً لإسلام أباد؛ مما يعد مصدراً في غاية الأهمية لتدفق المال على الاقتصاد الباكستاني.
في المقابل، باكستان اليوم قوة عسكرية ضاربة من ناحية العدد والإمكانيات، فالجيش يتكون من ١.٧ مليون جندي وسلاح الجو يمتلك ١٤٠٠ طائرة والأسطول البحري يحتوي على ١٧٢ قطعة بحرية منها ٨ غواصات. والقدرة النووية الباكستانية ضخمة، وتضم نحو ١٧٠ رأساً نووياً وحوالي ٥٠ منصة إطلاق صواريخ أرض - أرض. وأظهر الباكستانيون مؤخراً مهارة فائقة في التصدي للاختراقات الجوية الهندية في المناوشات التي تمت بين البلدين في مايو الماضي أسفرت عن إسقاط طائرة رافال فرنسية تابعة لسلاح الجو الهندي مما يراه المراقبون انتصاراً للتكنولوجيا الصينية في مواجهة تكنولوجيا الغرب بحكم استعانة باكستان بالطائرات والأسلحة الدفاعية الصينية.
على أية حال، لا توجد معلومات حتى الآن عن تفاصيل اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك، وكيف سيتم تفعيلها وتحت أي ظرف، ومن سيقود عمليات الدفاع والتصدي للاعتداءات وما إذا كانت ستتضمن تواجداً عسكرياً باكستانياً على الأراضي السعودية أو نقل لأسلحة نووية إلى السعودية والخليج، لكن لا أستبعد أن كلاً من البحرين والإمارات وقطر ستحذو حذو السعودية في تعميق علاقات التعاون العسكري مع باكستان ليصل الأمر في المستقبل القريب إلى استضافة عسكريين وقواعد عسكرية باكستانية في الخليج على غرار القواعد الأمريكية.
تحليق منفرد
في ظل الظروف المتغيرة يصبح من المستحيل الثقة التامة في حليف واحد فقط والأهم اليوم تأسيس قدرات داخلية متمكنة تستطيع التصدي لأي اعتداء محتمل دون الاتكال كثيراً على الآخرين - إذا أسعفنا الوقت للقيام بذلك - فالاعتداء على الدوحة وبالسهولة التي شهدناها هو إنذار مبكر وخطير للجميع، وأعتقد أن البحرين تحديداً انتبهت لهذا الخطر منذ مفاجآت ٢٠١١.