في السابع من يونيو عام 1934، كانت ناقلة النفط «إل سيغوندو» تشق طريقها عبر البحر، محمّلة بأول شحنة نفط خام من سترة متجهة إلى ميناء يوكوهاما في اليابان. يومها، كتبت مملكة البحرين تاريخاً جديداً، إذ كانت أول دولة خليجية تصدّر النفط تجارياً، لتضع بصمتها على خارطة العلاقات مع بلاد الشمس المشرقة. واليوم، وبعد أكثر من تسعين عاماً على تلك اللحظة، يعود المشهد بروح مختلفة مع الزيارة الرسمية لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله إلى اليابان، حيث تتجدد العلاقة في صورة شراكات استراتيجية تتجاوز الطاقة إلى الفضاء والاقتصاد الرقمي.

الزيارة الأخيرة لم تكن مجرد محطة بروتوكولية، بل خطوة استراتيجية متقدمة أعلن خلالها عن رفع مستوى العلاقات الثنائية إلى شراكة استراتيجية. وهو تحول يعكس الثقة المتبادلة بين المنامة وطوكيو، ويفتح مجالات جديدة للتعاون في التكنولوجيا والطاقة النظيفة والتحول الرقمي والفضاء، بما يحقق مصالح مشتركة تحت رعاية حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، وجلالة الإمبراطور ناروهيتو إمبراطور اليابان.

الأرقام الحديثة تعطي بُعداً عملياً لهذه الشراكة. ففي عام 2023 بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 820 مليون دولار أمريكي، بزيادة قدرها 23% عن السنوات السابقة. وخلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025، بلغت صادرات مملكة البحرين إلى اليابان 25.6 مليون دينار بحريني، مقابل واردات يابانية بقيمة 160.5 مليون دينار، وهنا المؤشرات تكشف عن علاقة نشطة ومتنامية، إذ ارتفعت الصادرات البحرينية إلى اليابان من 30 مليون دولار عام 2018 إلى 158 مليون دولار في 2022، أي بنسبة نمو تجاوزت 400%.

كما تميزت الزيارة بتوقيع حزمة من مذكرات التعاون في مجالات متعددة، من الفضاء مع وكالة “جاكسا”، إلى التحول الرقمي مع الوكالة الرقمية اليابانية، مروراً بالملكية الفكرية والخدمات الجوية. هذه الاتفاقيات لا تعكس فقط الانفتاح الاقتصادي لمملكة البحرين، بل تؤكد إدراكها لأهمية الاستثمار في القطاعات المستقبلية، حيث يشكل الابتكار والاقتصاد الرقمي والفضاء ركيزة للتنمية في العقود المقبلة.

إن من يتابع هذا الحراك يلمس أن مملكة البحرين تمضي وفق رؤية واضحة المعالم؛ فهي تبني على إرث تاريخي عريق مع اليابان، وتترجمه اليوم إلى مشاريع عملية تخدم الحاضر والمستقبل. ومع كل خطوة جديدة، تُرسّخ المملكة حضورها كلاعب إقليمي فاعل، قادر على استثمار موقعه الجغرافي وطاقاته البشرية لصناعة شراكات متقدمة مع قوى الاقتصاد العالمي.

وفي الختام، ما تحمله هذه الزيارة من اتفاقيات وشراكات استراتيجية ليس مجرد تعزيز للعلاقات القائمة، بل هو استثمار في مستقبل مشترك يضع مملكة البحرين في قلب التحولات العالمية نحو التكنولوجيا.