يغمرني السرور والاعتزاز عندما ألتقي بنماذج مشرّفة من القيادات الإدارية التي تضع القيم الإنسانية في صميم قراراتها وممارساتها اليومية، وتخضع سلوكها المهني لاختبار العدالة قبل أي اعتبارات أخرى. هذه الفئة من المسؤولين تُعد مكسباً حقيقياً لأي مؤسسة، بل إنها ثروة وطنية ينبغي رعايتها ودعمها.
خلال تقديمي لإحدى الدورات التدريبية المتخصّصة في تحليل التوجهات الاستراتيجية من خلال الخطابات الملكية، سُعدت بالتعرف على عدد من الإداريين الذين يتمتعون برؤية ناضجة ووعي إداري وإنساني لافت. ومن الجدير بالذكر أن هذه الدورة تناولت جانباً بالغ الأهمية يتمثل في فن «تحليل المضمون»، وهو أحد أرقى وأدق الفنون في المجال الإعلامي والصحفي.
كان التركيز منصبّاً على دراسة شخصية القائد الأول، حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، كنموذج للقائد الإنساني المتكامل. وحينما نتأمل في مسيرة جلالته، نُدرك مدى التميز الذي اتسمت به قيادته، فهو قائد جمع بين العلم والمهارة، وبين الحكمة والشجاعة، وتميّز بقدرة فريدة على اتخاذ قرارات مؤثرة منذ وقت مبكر من عمره. لكن ما يميزه بدرجة أكبر هو تجسيده الحقيقي لمعنى «الإنسانية» في القيادة، وهي سمة لا تتوافر إلا في القادة الاستثنائيين.
وما يبعث على الفخر هو أننا نجد هذا النهج الإنساني ينعكس في سلوك العديد من الكوادر الوطنية، خاصة في المجال الإداري. حيث يسير بعض المسؤولين على خطى قيادتهم العليا، متبنين أسلوب الإدارة الواعية، والتعامل القائم على الاحترام المتبادل والعدالة. وعندما نعرض أمامهم خصائص القيادة الإنسانية التي يمثلها جلالة الملك المعظم، وكذلك النهج الإداري المتميز الذي يتبعه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، نجد تجاوباً حقيقياً ومحاولات واعية لمحاكاة هذا النموذج الملهم في بيئات العمل.
من النماذج التي شدّت انتباهي، قصة إحدى المسؤولات التي شاركتني بمقطع فيديو تلقّته من فريق عملها، بمناسبة مرور عام على توليها لمنصبها. كان المقطع بسيطاً من حيث الشكل، لكنه عميق في مضمونه؛ فقد عبّر الموظفون بكلمات موجزة وصادقة عن امتنانهم العميق لها، واصفين إياها بالقائدة العادلة، والداعمة، وصاحبة الأثر الإيجابي في بناء بيئة عمل صحية ومُلهمة.
أثار هذا المشهد في نفسي تساؤلاً عفوياً، فسألتها: «كيف وصلتِ إلى هذا الأثر الطيب في نفوسهم؟!».
فأجابت: «عملت لسنوات طويلة تحت إدارة قاسية، تعرّضتُ خلالها للعديد من مظاهر الظلم الإداري، والإحباط النفسي، وقد قطعت وعداً على نفسي بأني إذا تسلمتُ يوماً زمام المسؤولية، فلن أسمح أبداً بتكرار تلك التجربة مع من أعمل معهم. قرّرتُ أن أجعل من كل ما عانيتُه سبباً لصنع بيئة أفضل».
فقلت لها: «بارك الله فيكِ، فعلاً.. من يُظلم لا يَظلم». وهذا هو جوهر السلوك السويّ، وأساس الإدارة الأخلاقية التي نطمح إليها في جميع مؤسساتنا.