منذ أن تولى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، زمام الرئاسة والقيادة التنفيذية، أخذت البحرين مساراً جديداً في نهضتها الاقتصادية والمالية، مساراً يتسم بالجرأة في القرار، والانفتاح في الرؤية، والارتباط الوثيق بين الفكر التنموي والنهج الاستثماري، لقد خرجت المملكة من دائرة الشراكات التقليدية إلى فضاء الشراكات الاستراتيجية التي تراهن على المستقبل، وتؤسس لاقتصاد متنوع، مستدام، ومرن، قادر على التكيف مع التحولات العالمية ومواكبة المنافسة الإقليمية والدولية.

هذه النقلة النوعية لم تبقَ حبيسة التصريحات، بل انعكست في مؤشرات دولية ووقائع ملموسة، فقد حققت البحرين تقدماً بارزاً في مؤشر القانون والنظام وفق التقرير العالمي، وهو ما يعكس رسوخ المؤسسات وصلابة التشريعات، ويعطي بيئة الأعمال ثقة إضافية، وليس أدل على ذلك من أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة بلغت أكثر من 1.7 مليار دولار في عام واحد، فيما تجاوزت مساهمة القطاع غير النفطي نسبة 83% من الناتج المحلي الإجمالي، لتؤكد المملكة أنها تتجاوز الاعتماد على النفط نحو اقتصاد متكامل ومستدام.

وقد اتسم نهج صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بوعي عميق بأن التنمية لا تقتصر على الحكومة، بل تُبنى بشراكة وثيقة مع رجال الأعمال والإعلام والمجتمع، فجعل رجال الاقتصاد والإعلام في الصفوف الأمامية إلى جانب صناع القرار فهي رسالة استراتيجية بأن الاقتصاد قصة وطن يشترك فيها الجميع، وأن الإعلام شريك في ترسيخ الوعي الجماعي بحجم هذه التحولات.

ولم يقتصر الحراك البحريني على الداخل، بل امتد إلى الخارج عبر شبكة واسعة من الزيارات الرسمية واللقاءات الدولية، فالزيارة الأخيرة إلى اليابان فتحت آفاقاً للتعاون مع واحدة من أعظم التجارب الصناعية والتكنولوجية في العالم، وعكست مكانة البحرين كجسر حيوي للتعاون الآسيوي الخليجي، كما أن لقاءات سموه مع قيادات في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا رسخت صورة المملكة كوجهة مالية وتجارية عابرة للحدود، قادرة على جذب رؤوس الأموال والشركات الكبرى، بما يعزز من مكانتها التنافسية عالمياً.

غير أن السؤال الأعمق يظل حاضراً: في ظل هذا الحراك الواسع، هل يسير التعليم بالوتيرة نفسها ليؤسس جيلاً يدرك أبعاد هذه السياسة الاقتصادية ويستوعب لغتها الاستثمارية؟ إن الرؤية البحرينية في جوهرها إنسانية قبل أن تكون مالية؛ فهي بدأت من الوجه الحقوقي والإنساني، لتضع الإنسان في مركز الاهتمام، ثم جاء البعد الاقتصادي والمالي ليعزز هذه الرؤية، ويجعل التنمية في خدمة المواطن أولاً وأخيراً، ومن هنا فإن إعداد كوادر وطنية واعية بهذه السياسات، قادرة على تطويرها وتوسيع آفاقها، أمر لا بديل عنه إذا أردنا لهذه الرؤية أن تستدام وتثمر في الأجيال المقبلة.

وفي هذا السياق، يبرز دور الفكر المرتبط بالمراصد الدولية كأداة للتحليل والتقييم، وقد جسدت البحرين هذا البعد عملياً باستضافتها للمرصد الدولي للتمور، ليكون مركزاً عالمياً يجمع وينشر ويحلل البيانات المتعلقة بقطاع التمور، بما له من أهمية استراتيجية في الأمن الغذائي والاقتصاد الزراعي، هذه الاستضافة ليست حدثاً رمزياً، بل تعبيراً عن قدرة البحرين على تحويل إدارة البيانات إلى معرفة، والمعرفة إلى فرص استثمارية، والفرص إلى عوائد وطنية مستدامة، مما يعزز موقعها كمحور إقليمي يجمع بين الاقتصاد والفكر والتحليل العلمي. إن البحرين اليوم لا تكتب فصلاً عابراً في كتاب التنمية، بل ترسم معادلة متجددة تجعل من النهضة الاقتصادية مشروعاً حضارياً، يربط بين الاستقرار المؤسسي، والانفتاح الاستثماري، والإرادة السياسية، وهي معادلة تثمر حصاداً يومياً في حياة المواطن، وتؤسس لمستقبل تكون فيه المملكة منصة رائدة تستقطب العقول والفرص، وتعيد تعريف الاستثمار باعتباره قيمة إنسانية قبل أن يكون أداة مالية.

* إعلامية وباحثة أكاديمية