قبل أسابيع، وأثناء زيارتي لسوق المحرق، التقيت بعائلة إسبانية في أحد محلات بيع الحلوى البحرينية، كانوا مبهورين وهم يتذوقون الحلوى ويحاولون تفكيك مكوناتها، وكأنهم يعيدون اكتشاف كنز ثمين، سألت السيدة عن رأيها في البحرين، وما الذي يميزها عن غيرها من الدول التي زارتها، قال ببساطة «هنا أشعر أنني بين عائلتي، ولست في بلد غريب»، هذه الجملة تحديداً علقت في ذهني طويلاً، لأنها تختصر معنى السياحة عندنا؛ تجربة إنسانية قبل أن تكون رحلة سفر.
في اليوم العالمي للسياحة، والذي احتفل به العام، تحت عنوان «السياحة والتحول المستدام»، أودّ أن أتحدث بعيداً عن لغة الأرقام والبيانات، رغم أن السياحة في البحرين تساهم بنسبة متزايدة في الناتج المحلي وتفتح فرص عمل نوعية للمواطنين، لكن القيمة الحقيقية لهذا القطاع تتجلى في كونه جسراً إنسانياً، ونافذة تُقدّم البحرين من خلالها أجمل ما لديها؛ دفء إنسانها، عمق تاريخها، وثراء ثقافتها.
البحرين لم تُبنَ مكانتها السياحية على الحملات الدعائية فقط، بل على إرث متجذّر منذ حضارة دلمون، فيما قلعة البحرين، وبيت سيادي، وسوق المنامة، وجزر حوار، وحتى المقاهي الشعبية التي تفوح منها رائحة الهيل والزعفران.. كلها تشكل لوحة متكاملة تجعل الزائر يعيش تجربة أصيلة.
لكن الواقع اليوم يؤكد أن البحرين تواكب العصر بكل تفاصيله؛ بيئة استثمارية متطورة، وتشريعات قانونية ومالية مرنة، وبنية تحتية تكنولوجية متقدمة، كلّها جعلت من قطاع السياحة بيئة جاذبة لرؤوس الأموال العالمية، فالمستثمر الذي يختار البحرين لا يراهن فقط على موقع استراتيجي، بل على استقرار ومرونة وقدرة بشرية مؤهلة لإدارة قطاع متنامٍ.
كما أن أهم ما يميّز البحرين أنها وجهة عائلية آمنة، في زمن يبحث فيه السائح عن الطمأنينة قبل أي شيء، حيث تُقدّم البحرين تجربة متفردة؛ بلد صغير متعدد الخيارات الترفيهية والثقافية، محاط بهالة من الأمن والأمان، إلى جانب بيئة ودودة، وهذا ما يجعلها مختلفة عن غيرها من الوجهات، ويمنحها مكانة خاصة لدى العائلات والزوار الباحثين عن سياحة تجمع بين الراحة والتراث.
لهذا كله، أنا أرى أن البحرين لا تسوّق نفسها فقط كوجهة سياحية، بل تكتب قصة وطن صغير في الجغرافيا كبير في الأثر، لذلك فإن القادم سيكون بالتأكيد أجمل، لأن البحرين لا تبيع للسائح غرفة فندقية أو تذكرة طيران فقط؛ بل تمنحه حكاية إنسانية لا تُنسى.
إضاءة
كلمة شكر مستحقة لوزارة السياحة وهيئة البحرين للسياحة والمعارض، على ما تبذلانه من جهود في تطوير هذا القطاع، وتعزيز مكانة المملكة كوجهة رائدة في المنطقة، جهود مخلصة لا تُترجم في أرقام أو مشاريع فحسب؛ بل في ابتسامة سائح وفرصة عمل لشاب بحريني، واستثمار يجد بيئة حاضنة للنمو.