في عالم الإدارة، لا يُقاس نجاح القائد بصرامته أو بقدرته على فرض الأوامر فحسب، بل بامتلاكه ما يمكن أن نطلق عليه الذكاء الإداري، والذي في مفهومه المبسط، يعني امتلاك القدرة على قراءة الشخصيات، وفهم دوافعها، ثم توجيهها بذكاء نحو الصالح العام.
من أبرز التحديات التي تختبر هذا النوع من الذكاء، التعامل مع الموظفين «العنيدين»؛ أولئك الذين يرفضون التغيير ويتمسكون بوجهات نظرهم حتى وإن تعارضت مع مصلحة الفريق.
العناد في بيئة العمل قد يبدو عائقاً، لكنه في الحقيقة يحمل بذور قوة إذا أُحسن التعامل معه. فغالباً ما يكون وراء العناد شعورٌ بالتقليل من قيمة الرأي، أو رغبة في إثبات الذات.
هنا يظهر دور المدير الذكي الذي لا يكتفي بتصنيف الموظف على أنه «مشاغب»، بل يحاول تفكيك هذا العناد وفهم مصدره. وتذكر هنا بأن الذكاء الإداري لا يرى في العناد خصومة يجب سحقها، بل طاقة يمكن تحويلها إلى التزام وإبداع.
القائد الذي يمتلك ذكاءً إدارياً يدرك أن الأوامر المباشرة قد تُضاعف من عناد بعض الشخصيات.
لذلك يلجأ إلى أدوات أكثر فاعلية، مثل إشعار الموظف بالمسؤولية والتميز عبر تكليفه بمهام نوعية، وفتح باب المشاركة وجعل رأيه جزءاً من عملية اتخاذ القرار، والتوجيه بدل الأوامر عبر صياغة النقاش بأسلوب تعاوني لا سلطوي.
بهذا الأسلوب، لا يتم كسر عناد الموظف، بل إعادة توجيهه ليصبح دافعاً نحو الإنجاز.
الذكاء الإداري ليس مجرد مهارة إضافية، بل هو الركيزة التي يقوم عليها العمل الجماعي الناجح. وفي بيئات مليئة بالضغوط، والتنافس، وتنوع الشخصيات، لا تكفي الخطط أو الأهداف لتحقيق النجاح.
ما يصنع الفرق هو قدرة القائد على تحويل الخلاف إلى إثراء، وكسب احترام الموظفين بدلاً من خوفهم، واستثمار الشخصيات الصعبة كقوة لا كعبء. القائد الذي يفتقر إلى هذا الذكاء قد يخسر أهم طاقات فريقه، أما من يتقنه فيحوّل حتى أكثر الشخصيات عناداً إلى أعمدة دعم ونجاح.
الذكاء الإداري هو المرآة التي تعكس نضج القائد ووعيه. التعامل مع الشخصيات العنيدة لا يكون بالتصادم، بل بالفهم، الاحترام، والتمكين.
وفي النهاية، لا يُقاس القائد بقدرته على السيطرة، بل بقدرته على إطلاق أفضل ما في فريقه، حتى من أولئك الذين بدا في البداية أنهم الأصعب.