أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطابه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة مؤخرا، وسط هتافات صادمة من الحاضرين، إلى أن «تغير المناخ يعد أكبر خدعة ارتُكبت بحق العالم»، وأنه يثقل كاهل الدول الأوروبية بتكاليف طاقة باهظة مقارنة بالوقود الأحفوري، وقال: «إن لم تتراجعوا عن خدعة الطاقة الخضراء، فإن بلادكم ستواجه الفشل». كما شكّك ترامب بشكل صريح في جدوى مكافحة تغيّر المناخ، معارضا التزامات المناخ الدولية التي تدعمها الأمم المتحدة، والتي تهدف إلى الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.
وقال كذلك «إن الادعاءات حول ارتفاع درجات الحرارة صدرت عن أشخاص أغبياء»، قبل أن يُعلن أن تغير المناخ كان يُسمى سابقًا بالتبريد العالمي – مستشهدا في ذلك بالسنوات من 1920 إلى 1930 – وبعدها قالوا أن التغير المناخي سيقتل العالم»، ثم قال «إن دعاة حماية البيئة يريدون قتل جميع الأبقار»!
لقد نسى الرئيس ترامب، أو تناسى، أنه في عام 2024، يُقدَّر أن أكثر من حوالي 62,700 شخص قد لقوا حتفهم لأسباب مرتبطة بالحرارة، بزيادة قدرها 23% عن العام السابق، وقد خلص العلماء إلى أن تغير المناخ الناجم عن أنشطة الإنسان، والذي أدى إلى ارتفاع درجة حرارة أوروبا بوتيرة أسرع من بعض مناطق العالم الأخرى، هو السبب وراء هذه الوفيات، وهذا الصيف، تُقدَّر وفاة ما يقرب من ٢٥ ألف شخص لأسباب مرتبطة بالحرارة. والسؤال، لماذا وصف ترامب علماء التغير المناخي و الباحثين المؤيدين لحدوث هذه الظاهرة بأنهم أغبياء؟! للاسف، هو يعتقد أنه دائما على حق، وما يقوله ويفعله صحيح دائما ؛ وهي جملة يرددها وكتبها على قبعاته.
وفيما يلي اجتهاد لتفسير سبب هذه المقولة في وصف علماء المناخ و التغير المناخي
والطاقة المتجددة؛ فقد تهور في وصفه، ولم يتلطف في معارضة الرد، وهو تنمر واضح.وفي اعتقادي، وربما اعتقاد الآخرين المحللين ، تتمحور اسباب تعمد ترامب رفض فكرة التغير المناخي إلى امور متعددة؛ سياسية واقتصادية، ويمكن تلخيص هذه الدوافع في النقاط التالية:
1. الدوافع الاقتصادية والسياسية:
أجندة «أمريكا أولاً»؛ فيرى ترامب أن الالتزام باتفاقيات المناخ الدولية، مثل اتفاق باريس، يفرض قيوداً على الصناعات الأمريكية، خاصة قطاعي الوقود الأحفوري (النفط، الغاز، الفحم)، ويعيق النمو الاقتصادي. ويعتبر أن هذه الاتفاقيات تضع الولايات المتحدة في موقف «غير عادل» مقارنة بدول أخرى مثل الصين، التي يرى أنها لا تتحمل نفس الالتزامات؛ فالرئيس تراب يدعم صناعات الوقود الأحفوري، ويلقى دعماً قوياً من شركات النفط والغاز والفحم، ويعتقد أن دعم هذه الصناعات يؤدي إلى خلق فرص عمل، وخفض أسعار الطاقة، وتحقيق الاستقلال في الطاقة للولايات المتحدة. ولهذا، يرفض أي سياسات تهدف إلى الحد من انبعاثات هذه الصناعات، وأبرز مثال على هذا التوجه هو قراره سحب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ في عام 2017، بحجة أنه يقتل الوظائف ويفرض أعباء مالية على الاقتصاد الأمريكي، وهو ما لا يستند إلى أدلة علمية قوية.
2. الدوافع الأيديولوجية والشخصية:
أ- يريد الرئيس الأمريكي ترامب التشكيك في الإجماع العلمي، و التشكيك في المؤسسات العلمية والخبرات التقليدية؛ فهو يعتبر أن فكرة التغير المناخي «خدعة» أو «مؤامرة» تم اختلاقها لأهداف سياسية أو اقتصادية، وهذا يتماشى مع خطابه المناهض للمؤسسات بشكل عام.، لذلك هو يستخدم خطابًا شعبويًا يركز على العمال الأمريكيين في الصناعات التقليدية، ويصور السياسات البيئية كتهديد لمصدر رزقهم، وكثيرا ما يردد شعارات مثل «سنحفر، يا عزيزي، سنحفر» في إشارة إلى استخراج النفط والغاز.
ب- كما قد بات معروفا للجميع أن ترامب يرغب في التميّز فيقوم باتخاذ مواقف معاكسة للمواقف العالمية، خاصة تلك التي يتبناها خصومه السياسيون، سواء في الداخل أو الخارج، إن رفض ترامب للجهود المناخية العالمية يجعله يبرز كقائد يعارض «المؤسسة» الدولية.
ت- للاسف، ينشر ترامب ادعاءات خاطئة حول التغير المناخي، مثل أن ارتفاع مستوى سطح البحر لن يتجاوز جزءاً صغيراً على مدى قرون، أو أن تكاليف الطاقة المتجددة باهظة وغير فعالة، وهذه المعلومات تتعارض بشكل مباشر مع البيانات العلمية الموثوقة. والحقيقة، أنه في عام 1938، حلل المهندس الإنجليزي جاي ستيوارت كاليندار سجلات درجات الحرارة من أواخر القرن التاسع عشر فصاعدًا، وخلص إلى أن درجات حرارة الأرض العالمية قد ارتفعت على مدى الخمسين عامًا السابقة بسبب حرق الوقود الأحفوري، فحقيقة الأمر، تؤكد الأبحاث أن الفترة المعروفة باسم «احترار أوائل القرن العشرين»، والتي استمرت من عام 1901 إلى عام 1950 تقريبًا، شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في درجة الحرارة في منطقة القطب الشمالي خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، إن الأعوام من عام 1937 إلى 1941 وعام 1944 سُجلت درجات حرارة عالمية قياسية في ذلك الوقت. كما أظهرت التحليلات الحديثة لثلاثينيات القرن الماضي أنه يمكن رصد انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن الأنشطة البشرية في سجلات درجات الحرارة التي تعود إلى عام 1937.
للاسف، رفض ترامب للتغير المناخي ليس مبنياً على أدلة علمية، بل على مجموعة معقدة من المصالح السياسية والاقتصادية الشخصية، بالإضافة إلى خطاب شعبوي يهدف إلى تعبئة قاعدته الانتخابية.
* استاذ الفيزياء التطبيقية بجامعة الخليج العربي