تأتي الشراكة مع إيطاليا خياراً استراتيجياً يوازن بين أمن الممرات البحرية وأمن الطاقة والتمويل والتقنية، ويحوّل العلاقة من البروتوكول إلى خارطة تنفيذ تُقاس بمؤشرات تجارة وتمويل وتيسير جمركي خلال عام واحد، مع توظيف البحرين لثِقل روما داخل الاتحاد الأوروبي لرؤية المملكة في تنويع الاقتصاد الوطني.

لذلك، تُمثّل الزيارة الرسمية لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، إلى الجمهورية الإيطالية ودولة حاضرة الفاتيكان، لحظة فارقة في مسار الدبلوماسية البحرينية؛ إذ تنتقل بالعلاقة مع روما من مستوى الصداقة التقليدية إلى هندسة شراكة متعددة المسارات، تستثمر مكانة إيطاليا في الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع وموقع البحرين كبوابة خليجية موثوقة للاستثمار والتجارة والأمن البحري.

أثمرت الزيارة عن حزمة مخرجات تنفيذية تقودها شراكة التعاون والاستثمارات الاستراتيجية بين وزارة المالية والاقتصاد الوطني ووزارة المؤسسات والصناعات الإيطالية، لضخّ استثمارات تتجاوز المليار يورو ورفع التبادل التجاري المستهدف إلى مليار يورو سنوياً، مع اتفاقية إطار بين «ممتلكات» و«إنفست إندستريال» لتوسيع الاستثمار ونقل المعرفة الصناعية وتعميق النفاذ المؤسسي إلى أوروبا. مالياً، عُزِّز الجسر المصرفي باتفاقية بنك البحرين الوطني «بي بي إم» لتمويل التجارة والاستثمار وتبادل خبرات الرقمنة والامتثال، وتفعيل مجلس الأعمال البحريني-الإيطالي لتحويل التفاهمات إلى فرص مباشرة للشركات. وعلى مسارات الطاقة والبيئة والمدن الذكية، اتُّفق على نهجٍ محايد تكنولوجياً يوازن أمن الطاقة وخفض الانبعاثات عبر شراكات في «المتجددة» والكفاءة وإدارة المياه وتحويل النفايات إلى طاقة، إلى جانب التعاون في الإنشاءات والنقل والسياحة.

أمنياً ودفاعياً، ثُبّتت الشراكة العسكرية-الصناعية مع الإشادة باستضافة البحرين وحدةً للبحرية الإيطالية ضمن القوات البحرية المشتركة، بما يفتح مسارات للتصنيع ونقل التقنيات والتدريب وتنسيق مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب البحري. كما اتُّفق على تعزيز الأمن الغذائي ورفع المحتوى المحلي، ووقِّعت مذكرة تعاون فضائي بين وكالتي البلدين للتطبيقات والتدريب والبحث، واستُكمل مسار الجمارك بلجنة فنية وبرامج قدرات وزيارات تبادلية لتوحيد الممارسات وتقليص زمن وكلفة التخليص.

سياسياً، برز توافقٌ على وقف فوري للحرب في غزة والإفراج عن جميع الرهائن وضمان وصول المساعدات، والتمسّك بحلّ الدولتين وفق قرارات مجلس الأمن؛ وتأكيد وحدة سوريا ودعم التعافي وعودة اللاجئين طوعاً وبأمان وكرامة بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة؛ والتشديد على التزام إيران بمعاهدة عدم الانتشار ودعم استئناف مفاوضات جادّة لحلّ شامل؛ ومواصلة الجهود لإحلال سلام عادل ودائم في أوكرانيا. كما هنّأت إيطاليا البحرين بانتخابها عضواً غير دائم في مجلس الأمن (2026–2027)، مع تأكيد الطرفين التعدّدية والأمم المتحدة كركيزة للنظام الدولي. وتتقاطع هذه الشراكات مع الإطار الأوسع للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون؛ إذ جدّد الطرفان دعم تعزيز التعاون الأوروبي-الخليجي في ضوء القمة الخليجية المقبلة في المنامة والقمة الأوروبية-الخليجية 2026 في الرياض، بما يرسّخ الجسور الأورو-متوسطية-الخليجية في الاقتصاد والطاقة والأمن.

واكتملت الزيارة ببعدها الإنساني والديني بلقاءات سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في دولة حاضرة الفاتيكان مع قداسة البابا ليو الرابع عشر ونيافة الكاردينال بيترو بارولين، تأكيداً لنهج البحرين القائم على التسامح والتعايش والحوار بين الأديان. وقد جرى إبراز النموذج البحريني الذي تجسّده المساجد والكنائس والمعابد على أرض المملكة، وما تمثّله مبادراتها المؤسسية كمنصات للحوار الإنساني، ويكرّس حضورها جسراً بين الشرق والغرب.

بهذا البناء المتكامل، تنتقل العلاقة البحرينية-الإيطالية لتكوّن معادلة متوازنة تُحوّل تحديات العقد الراهن إلى فرص نمو، وتؤكد قدرة البحرين على تعظيم عوائد شراكاتها الأوروبية بقيادة تستشرف المستقبل.

عبدالله إلهامي