منذ مطلع العام وحتى زيارته الأخيرة إلى إيطاليا، اتسمت تحركات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، بنهج مدروس يمكن وصفه بـ»الدبلوماسية الهادئة ذات التخطيط الاستراتيجي»، حيث جاءت في أوقات دقيقة تزامنت مع تحولات عالمية وإقليمية مؤثرة.

من يتأمل في كلمات سموه وتحركاته الرسمية سيلاحظ أنها ليست مجرد رسائل دبلوماسية، بل بمثابة خارطة تنفيذية لرؤية تسعى إلى تعظيم الفوائد الاقتصادية وتعزيز الاستقرار الأمني، من خلال توظيف السياسة الخارجية كأداة عملية.

استطاع سموه من خلال هذا النهج أن يُعيد صياغة علاقات المملكة الخارجية على أسس الثقة والمصالح المشتركة، محوّلاً الهدوء في الأداء السياسي إلى نقطة قوة تساهم في جذب الاستثمارات وتسريع وتيرة التطوير لصالح المجتمع البحريني.

اعتمد سموه أسلوباً يُميّز بين الزيارات البروتوكولية التقليدية وتلك التي تُبنى على أساس أهداف محددة قابلة للقياس. تنقله بين عواصم مثل واشنطن ولندن وطوكيو وروما نتيجة لرؤية تعتمد على تنويع الشراكات في مجالات الاقتصاد المتقدم، الصناعة، التمويل، والتكنولوجيا.

أما زيارته إلى مصر والفاتيكان، فهي تنطلق من إدراك لأهمية البعد العربي والإنساني في صياغة صورة البحرين الدولية، بما يعكس مكانتها كدولة حوار وتوازن.

سموه وضع الملف الاقتصادي في موقع الأولوية، عبر فتح مجالات للاستثمار، وتشجيع نقل المعرفة، وربط البحرين بمنظومات إنتاج عالمية تشمل التكنولوجيا، الصناعة المتخصصة، الطاقة الجديدة، الخدمات المالية، والسياحة.

لكن هذه المقاربة الاقتصادية لم تكن معزولة، بل جاءت مدعومة بتفاهمات سياسية وأمنية تعزز من ثقة المستثمرين في بيئة المملكة، انطلاقاً من ثلاث ركائز أساسية: استقرار داخلي، إطار تنظيمي واضح، وموقع جيوسياسي يُقلل من مستويات المخاطرة.

وتتجلّى في تحركات سموه أيضاً سياسة توزيع مدروس للاعتماد الاستراتيجي، إذ لا تميل البحرين إلى الانحياز الكامل لشريك وحيد، ولا إلى الانفتاح المفرط الذي يُشتت الفعالية.

وفي ظل ما تشهده الساحة من اضطراب سلاسل التوريد والتقلبات الاقتصادية الواسعة، يصبح تنويع الشركاء والقطاعات نوعاً من «التحصين السيادي» الذي يحمي الاقتصاد الوطني من التقلبات ويعزز شروط المملكة في أي تفاوض دولي.

البحرين دائماً تتعامل بذكاء مع ميزة حجمها الجغرافي، حيث تُترجم هذه الخصوصية إلى مرونة في اتخاذ القرار، وسرعة في التكيّف، وقدرة على الربط بين مناطق ومصالح مختلفة، مما يمنحها دوراً محورياً كمركز وسيط يمكن الوثوق به.

ومع استمرار التركيز على الهدوء والتوازن والاقتصاد، تُرسّخ المملكة موقعها كشريك موثوق قادر على تسريع الإجراءات وضمان الالتزامات.

تحركات الأمير سلمان أصفها بأنها خطوات مدروسة ترفع من مكانة بلادنا في المشهدين الإقليمي والدولي.

هي رؤية عملية تسعى لزيادة تأثير البحرين وحضورها كمملكة تعتمد الواقعية والتخطيط في صناعة القرار وتعزيز الاستثمار وتقوية الاقتصاد بما يضمن ديمومة المستقبل.