أن تحافظ دولة صغيرة بحجم مملكة البحرين على موقعها في الفئة الأولى بتقرير وزارة الخارجية الأمريكية المعني بمكافحة الاتجار بالأشخاص، وللعام الثامن على التوالي، فذلك يمثل أن هنالك اعترافاً عالمياً برؤية وطنية متكاملة، تتجاوز الشعارات إلى واقع ملموس، رؤية تضع الإنسان وكرامته في صدارة الأولويات.

المسألة لا تقتصر على سَنّ القوانين فقط، وإن كانت التشريعات الوطنية في هذا المجال رائدة على مستوى المنطقة، وربما على مستوى العالم، بدءاً من قانون مكافحة الاتجار بالأشخاص وصولاً إلى أنظمة حماية الأجور، ولكن الأهمية تكمن في أن تلك القوانين انبثقت من قيم وثقافة مجتمعية وتحولت إلى ممارسات مؤسسية مستدامة، ومراكز متخصّصة، وآليات رقابية تضمن التنفيذ والمتابعة، إلى جانب منظومة حماية وتظلمات مفتوحة أمام الجميع بلا استثناء.

لكن ما يلفت الانتباه أكثر هو أن التجربة البحرينية لم تبنَ فقط على أدوات القانون والإدارة، بل استندت إلى قاعدة ثقافية ومجتمعية أصيلة، ترفض الاستغلال وترسّخ قيم العدالة وصون الضعفاء، هنا يكمن الفارق بين دولة تطبّق أنظمة بحكم الضرورة وأخرى تجعل من حماية الإنسان جزءاً من هويتها وثقافتها الوطنية.

هذا الإنجاز الوطني المتكرر منذ 2018 يضع مملكة البحرين بين مجموعة محدودة من الدول المتقدمة في العالم، ويجعلها الاستثناء الإيجابي في منطقة تواجه تحديات معقدة في سوق العمل والهجرة، فالحفاظ على هذا الموقع ثمانية أعوام متتالية ليس نتاج الحظ أو ضغوط العلاقات الدولية، بل نتيجة عمل ممنهج، بدأ من الوقاية والتوعية، مروراً بالحماية والإنصاف، وانتهاءً إلى شراكات إقليمية ودولية عزّزت الثقة في التجربة البحرينية.

اليوم، وفي عالم يزداد فيه الاتجار بالبشر تعقيداً مع توسّع شبكات الجريمة المنظمة، تتصدّر البحرين لتعلنها للعام وبقوة؛ أن لا حصانة لأحد على حساب الكرامة الإنسانية، وهي رسالة وطنية ثابتة للداخل والخارج، وتمثل رصيداً أخلاقياً للمملكة على الساحة الدولية، ويجعلها بيئة أكثر استقراراً وجاذبية للاستثمار، لما توفره من ضمانات حقوقية وعدالة اجتماعية.

إن الريادة البحرينية في هذا المجال لم تعد مرتبطة بالتصنيف السنوي فحسب، بل تحولت إلى نهج دولة ورسالة إنسانية للعالم، فالحفاظ على الفئة الأولى ثمانية أعوام متواصلة يعني ببساطة أن هناك إرادة سياسية ثابتة، وبنية تشريعية متينة، وأهم من ذلك مجتمعاً يعرف أن حماية الإنسان ليست خياراً، بل هي واجب أخلاقي راسخ في الوعي الوطني.

إضاءة

لأنه إنجاز مستحق لكل البحرين؛ فمن الواجب تقديم الشكر والامتنان إلى كل المؤسسات والجهات الوطنية التي ساهمت في الحفاظ على هذا المركز، وعلى رأسها وزارة الداخلية، ووزارة الخارجية، ووزارة العدل، والمجلس الأعلى للقضاء، والنيابة العامة، وهيئة تنظيم سوق العمل، واللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص، وإلى جميع مؤسسات المجتمع المدني المعنية.