* قال ابن القيم في كتابه الفوائد: «الرَّب سبحانه لا يمنعُ عبده المؤمن شيئاً من الدنيا، إلا ويُؤتيه أفضل منه، وأنفع له». في كثير من الأحيان نعتقد أننا لم نُحسن السير في بعض المسارات، ولم نُحسن التصرّف في بعض المواقف، بل لم نختر الصور المُضيئة التي تنفعنا في ديننا ودنيانا، ولربما تحسّرنا على ضياع بعض الفرص، ولم ندرك يقينًا أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يُقدّر لنا الخير، وهو الذي يختار لنا. لذلك، فإننا ندعو في دعاء الاستخارة: «اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علّام الغيوب، اللهم إن كنتَ تعلم أن هذا الأمر (ويُسمّيه بعينه) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فيسّره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدُر لي الخير حيث كان، ثم رضّني به».

* بعد أحد البرامج، قررنا أن نهدي دفتراً صغيراً، واخترت أن أكتب عليه هذه العبارة: «أثرُ حكايتك المُلهِمة سيبقى خالداً في الحياة». ذلك لإيماني العميق بأن كل فرد منا قادر على أن يصنع حكاية مُلهِمة في حياته الدنيوية، حكاية مرتبطة بصدق نواياه ونقاء سريرته، وبقدرته على أن يترك أثراً مُستداماً في الحياة، وأن يكون فرداً مؤثراً في حياة الآخرين، وملهِماً لغيره في عمل الخير. فيراه الناس فيسارعون إلى مُزاملته والاستفادة من خبراته، والعمل معه في محطات الخير. نحتاج أن نكون «حكاية مؤثرة» تتحدث عنها الأجيال، فترسخ في وجدان النفوس قبل أن تُسطّرها الكتب، وقبل أن تُعرض في المشاهد المرئية. ومن هنا، ينبغي أن نراجع نفوسنا بين الحين والآخر، ونزن هممنا وطاقاتنا في ميزان الخير، حتى نقيس حجم عطائنا، وحجم الأثر الذي تركناه. ثم نسرد بكل حب أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ونكتبها في قصاصات صغيرة نقارن بها أثرنا وفق التوجيه النبوي. وبلا أدنى شك سترتقي نفوسنا نحو الخير إذا أحسنا التأمل فيها. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من استوى يوماه فهو مغبون». وتأمل قوله عليه الصلاة والسلام: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تُطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر». (أخرجه الطبراني). وقال تعالى في مدح النبيين: «إنهم كانوا يُسارعون في الخيرات».

* في بعض الأحيان، تبقى المشاعر السلبية والمواقف المزعجة حبيسة نفوسنا، لاعتقادنا أننا أحسنا التعامل معها، بينما هي تُوخز ذواتنا وتُضعف عطاءنا، وتؤثر في روابط المحبة التي تجمعنا، بل حتى في صحة أجسادنا. وهنا تأتي الوقفة الحاسمة لتغيير ما اعتقدناه صواباً، ولتصحيح أساليب المواجهة التي لم نُحسنها، ولإعادة النظر في ما يبيّته الآخرون من مآرب خفية أو توجهات مغرضة.

إنها وقفة نضع فيها حداً للمهاترات، فلا تضيع أعمارنا في المجاملات العقيمة. جميل أن نُبقي خيط الوصال مع المخلصين، وإن اعترت العلاقة بعض الإزعاجات غير المقصودة، فلا ندعها تترك أثرها في نفوسنا، بل نسارع لتصفية القلوب حتى لا نخسر رفيق مسير الأثر. أما من أضحوا في حياتنا «مصدر إزعاج دائم» بأسلوبهم المشين الذي يُحقر النفوس، فالأجدر أن نحافظ على سلامتنا منهم، ونبتعد خطوات بعيدة عن محطاتهم، ونركز على ما هو في عطاءات حياتنا.

ومضة أمل

مازلنا نتأخر عن استثمار «فرص العطاء»، وننغمس في المهاترات والهوامش الفارغة، وننشغل بالقيل والقال، ونعيش في أجواء الغيبة والنميمة، وربما أجواء المشاحنات العقيمة، حتى باتت نفوسنا تتحرز من كلمات لم تقصدها، ومن مواقف لم تُحبها. آن الأوان أن نصحح المسير، ونُعيد النظر، وإن أخطأنا فسنظل نتعلم ما حيينا. وسيبقى مشروعنا «الخيري» هو الطموح الذي يقودنا إلى غاياتنا، وإلى «محطة الفردوس الأبدية»، اللهم بلّغنا يا رب.