تعد القواعد والأنظمة التي توضع بمثابة الضوابط التي تُحرم على الأفراد بعض التصرفات التي تعتبر تعدياً وتجاوزاً على حقوق الآخرين خصوصاً أن الإنسان مفطورٌ بغريزته على كراهية القيود التي تحد من حريته المطلقة وتتحكم في سلوكه وتصرفاته، فمن المتوقع أن يجنح بعض الأفراد إلى التحلل من هذه القواعد وأن يحاولوا عدم التقيد بشروطها كلما سنحت لهم الفرصة بذلك وهذه القواعد هي ما تعارف الناس عليه باسم القوانين والأنظمة حيث أصبحت تشكّل الأطر المرشدة لسلوك الأفراد والمجموعات البشرية وهو ما يطلق عليه بالانضباط الوظيفي. ويأتي مفهوم الانضباط بمعانٍ متعددة منها: «هو الحزم في تنظيم الأمور، بمعنى اهتمام التقني بجميع الأنظمة المنظمة لمهنته والمحافظة عليها، سواء في الأوقات أو التصرفات، أو في الشكل أو في التعامل مع جميع المستويات»، ويرى البعض أنه «إطاعة الأوامر والتعليمات، واحترام القواعد والتعليمات، والتقيد بالنظام، والالتزام بالتقاليد والأعراف، وأنه من الأفضل ألا يكتسب الانضباط من توقيع العقاب المستمر، ولكن بالتوجيه والنصح والإرشاد».
إن النظام والانضباط هما أساس الحياة الاجتماعية فهو وحده أساس بناء المجتمع المتماسك والمتطور وبدونه تتحول الحياة إلى فوضى لا تُطاق، ولكن من خلال وجود قواعد وأنظمة الانضباط يسود الشعور بين الفرد والجماعة بالمشاركة وتظهر الروابط التي تشدهم إلى بعضهم البعض لتحقيق هدف الجماعة، بحيث يشعر كل واحد منهم أن مصلحة الجماعة هي مصلحة الفرد، فلا ينشأ معزولاً عن مجتمعه إنما ينشأ يؤثر فيه ويتأثر به من خلال الأسرة والمجتمع الذي ينشأ فيه، حيث يكتسب الفرد منهما الكثير من العادات وقواعد السلوك الإنساني التي تعزز فيه مبادئ الانضباط والتي تؤثر في بناء شخصيته عندما ينخرط في صفوف الوظيفة تجده يحمل مبادئ الانضباط الأولية في سلوكه وتصرفاته التي يكون قد اكتسبها من الأسرة والمجتمع.
إذا ليس هناك من حلول سهلة لمشكلة ضمان نزاهة الموظفين، تستطيع لجان التحقيق الخارجية، والداخلية، والتقارير الانتقادية التي تنشر في الصحف أن تساعد جميعها، ولكن الحل يتطلب التوظيف الجيد، والتدريب المطور، والإشراف على عمل الموظفين بطريقة تزيد من فرص ممارسة السلوك الإيجابي واللائق؛ فالنزاهة تجعل الناس أكثر استعداداً لتقبّل الموظفين حين يؤدون أعمالهم بكل إخلاص وتفانٍ، وتمنحهم الشعور بأنهم يقومون بعمل جدير بالثناء يستطيعون أن يفتخروا به.
وبناء على ما سبق، يعتبر الانضباط الوظيفي في المؤسسات هو من أسس النجاح والتطور لها، والذي يتمثل في الالتزام بالقوانين والأنظمة في تلك المؤسسات، وأيضاً التقيد بمعايير القيم والأخلاق في المجتمع، وقد نادى به كثير من خبراء الإدارة منذ سنين، له من نتائج إيجابية على المنظمة والموظف والمجتمع، ويتضح ذلك في مخرجات الموظفين في تأدية مهامهم وأعمالهم.