في لحظة تاريخية تحمل أبعاداً تتجاوز حدود المكان والزمان، تعود مدينة المحرق لتقف في قلب الرؤية الوطنية التي يقودها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، استجابةً للأمر الملكي السامي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، بالمحافظة على الهوية التاريخية والثقافية لمباني ومدن البحرين، هذا القرار ليس مجرد مشروع ترميمي أو عمراني، بل هو فعل استنهاض للذاكرة الجماعية، واستحضار لروح مدينة عريقة لم تكن يوماً مجرد جغرافيا بل هي سجل حيّ لملاحم البحرينيين وإبداعاتهم وارتباطهم بالبحر والتجارة والثقافة.

المحرق بما تحمله من إرث معماري وأحياء تقليدية وذاكرة متدفقة بالقصص الإنسانية، تمثل نموذجاً لصراع الهوية في زمن العولمة المتسارعة، حيث يغدو الحفاظ على الملامح التراثية عملاً استراتيجياً في حماية الذات الوطنية، من هنا تبرز أهمية الخطوة التي يقودها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، فهي ليست فقط إعادة إحياء لقصر عيسى الكبير ولا تجميلاً لأحياء قديمة، بل هي تأسيس لرؤية تتعانق فيها الأصالة مع الحداثة، ليظل العمران شاهداً على توازن البحرين بين ماضيها العريق وحاضرها المتطور.

ومع أن الرؤية تحمل في جوهرها بعداً حضارياً، إلا أنها في جانب آخر تفتح آفاقاً اقتصادية وسياحية وثقافية، فالمحرق إذا ما جرى تطويرها وفق رؤية متقنة ستتحول إلى فضاء جذب عالمي، تلتقي فيه الطاقات الإبداعية المحلية مع الاهتمام الدولي، مما يعزز مكانة البحرين كوجهة تحتفي بتراثها، وتمنحه حياة جديدة، فالاستثمار في الذاكرة هو استثمار في المستقبل، والهوية إذا ما صيغت في قالب عمراني راقٍ فإنها تمنح المواطن اعتزازاً متجدداً وتغرس في الأجيال القادمة إحساساً بالانتماء.

لكن هذه المسيرة الطموحة تحتاج إلى وعي جماعي يوازي الجهد الحكومي، فالحفاظ على هوية المحرق لا يكتمل دون إشراك المجتمع المحلي، وإحياء الحِرف القديمة، وتشجيع المبادرات الشبابية التي تدمج التكنولوجيا بالتراث، ليكون التطوير فعلاً مستداماً لا يتوقف عند حدود الترميم بل يتجدد في كل جيل.

إن الرهان على المحرق هو رهان على البحرين نفسها، رهان على أن الذاكرة ليست مجرد حنين، بل قوة ناعمة تصوغ ملامح المستقبل، ومن هنا فإن المقترح الأجدى هو أن تتحول خطة تطوير المحرق إلى نموذج وطني يُحتذى، تنسج على منواله باقي المدن، ليبقى العمران البحريني شاهداً على قصة بلدٍ صغير المساحة عظيم الرسالة، وبهذا النهج، تظل البحرين وفية لتاريخها، منفتحة على حاضرها، وصانعة لمستقبلها بروح لا تعرف الانكسار.

* إعلامية وباحثة أكاديمية