رغم ما يعيشه العالم المتحضر اليوم من مستويات عالية من الرفاهية والتطور، في ظل ثورة اتصال وتكنولوجيا غير مسبوقة؛ فإن أرقام الأمم المتحدة تشير إلى أن 1.1 مليار إنسان يعيشون في ظروف سكنية غير ملائمة، فيما يبلغ عدد المهجّرين قسراً نحو 221 مليوناً.

أقدم هذه المعلومات، والتي قد تكون صادمة للكثيرين، تمهيداً للحديث عن اليوم الدولي للموئل، والذي قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1985 أن يكون يوم الاثنين من الأسبوع الأول من أكتوبر من كل عام موعداً للاحتفال به، بهدف التأكيد على حاجة الإنسان إلى سكن ملائم، وتذكير العالم بمسؤوليته الجماعية في ذلك.

وفي خضم هذه الأرقام الثقيلة التي تعكس عمق الأزمة عالمياً، تبرز مملكة البحرين كنموذج فريد، لأنها وضعت المواطن في قلب سياساتها الإسكانية، وجعلت من «البيت» رمزاً للاستقرار والكرامة قبل أن يكون جداراً وسقفاً.

وقد تجلت رؤية البحرين بالتأكيد على أن السكن حق إنساني أصيل، وهي الرؤية التي وضعها حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم، ويتم تنفيذها بمتابعة من صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حيث تحولت إلى واقع ملموس يلمسه كل مواطن في المدن والمشاريع الإسكانية المنتشرة في ربوع المملكة.

والمتتبع لما أنجزته البحرين خلال العهد الزاهر يعرف أن البحرين قد تجاوزت مرحلة توفير السكن إلى خلق صناعة بيئة عمرانية متكاملة، تراعي جودة الحياة، وتستحضر المستقبل في كل تفصيلة، من البنية التحتية الذكية إلى التصميم العمراني المستدام.

ولأنها تنطلق من حرص إنساني أولاً وأخيراً، فقد جاءت البرامج الإسكانية الحديثة لتواكب تطلعات المواطنين، وتمنحهم خيارات مرنة عبر التمويلات الميسرة، ومبادرات الشراكة مع القطاع الخاص، ومشاريع تطوير الأراضي الحكومية التي أثمرت مدناً حديثة مثل سلمان، خليفة، شرق سترة، وغيرها.

وفي الوقت الذي تتسابق فيه دول كثيرة للبحث عن حلول لأزمات الإسكان المتفاقمة، تواصل البحرين تطوير رؤيتها بهدوء وثقة، مستندة إلى مبادئ التنمية المستدامة، ومحققة تقدماً ملموساً نحو الهدف الحادي عشر من أهداف التنمية الأممية؛ جعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع وآمنة وقادرة على الصمود ومستدامة.

كما أن مشاريع تطوير مدينة المحرق وإحياء قصر عيسى الكبير، وخطة إعادة تطوير المنطقة التاريخية لسوق المنامة، تعبر عن وعيٍ عميق بمعنى «السكن» كمفهوم حضاري وثقافي، لا مجرد مأوى. إنها فلسفة ترى في العمران امتداداً للهوية، وفي الحفاظ على التراث صون للذاكرة الوطنية.

إن الاحتفاء باليوم العالمي للموئل في البحرين فرصة لتذكير أنفسنا بأن بناء البيت هو بناء الإنسان ذاته، وأن كل حجر يوضع في جدارٍ جديد هو خطوة نحو مجتمع أكثر استقراراً وعدلاً.