في كل مرة يُقال إن الروبوتات ستأخذ وظائفنا، نتصور عالماً مثالياً تدار فيه المصانع بلا بشر، والمكاتب بلا تأخير، والمستشفيات بلا أخطاء. نرى في خيالنا موظفاً معدنياً لا يطلب زيادة في الراتب، ولا يتأخر بسبب الزحمة، ولا يغيب لأن ابنه مريض. لكننا ننسى أن هذا الروبوت البطل قد يتعطل لأنه لم يُحدّث البرنامج، أو يرفض العمل لأن بطاريته منخفضة، أو يقف جامداً في الزاوية ينتظر من يعيد تشغيله.

تخيل لو استبدلت شركتك عامل النظافة بروبوت ذكي. في اليوم الأول يعمل بنشاط وهدوء، يلمع الأرضيات ويتفادى الكراسي بدقة عسكرية. في اليوم الثاني يبدأ بالتذمر الصامت، يقف في الزاوية لأنه «لا يتعرف على البيئة». وفي اليوم الثالث يصدر صوت إنذار غامض ثم يكتب على شاشته «يُرجى التواصل مع الدعم الفني في سنغافورة». وقتها ستدرك أن حتى الحديد له مزاج، وأن الذكاء الاصطناعي أحياناً يحتاج فنجان قهوة ليبدأ يومه مثلنا تماماً.

الناس تتحدث بخوف عن أن الروبوت سيأخذ وظيفة الإنسان، لكن ما لا يقال هو أن الإنسان سيأخذ وظيفة «إصلاح الروبوت». سنحتاج في المستقبل إلى فنيين متخصصين في تهدئة الأعطال الإلكترونية بدل تهدئة الزملاء الغاضبين. وربما نرى يوماً دورة تدريبية بعنوان «كيف تتعامل مع الروبوت الحساس الذي يرفض الأوامر وقت الغداء».

ومع كل ذلك، لا يمكن إنكار أن هذه التقنيات ستغير وجه الحياة والعمل. الروبوتات في المصانع تقلل الأخطاء، وفي المستشفيات تساعد الجراحين بثبات لا يعرف الارتباك، وفي الموانئ ترفع الحاويات بدقة وسرعة تفوق الإنسان. التكنولوجيا ليست عدوة، لكنها مرآة لما نحتاجه فعلاً من توازن بين الراحة والمسؤولية.

ومع أن الروبوت يمكن أن يعمل بلا كلل، إلا أنه لا يعرف كيف يتعامل مع المواقف غير المتوقعة. لا يمكنه أن يبتكر حلاً عندما تسقط فنجان قهوة على لوحة التحكم، أو يهدئ مديراً غاضباً بكلمة طيبة. هو يتعامل مع الأوامر مثل المعادلات، بينما الإنسان يقرأ الموقف بعاطفته وخبرته وحدسه.

تخيل لو استُبدل موظف الاستقبال بروبوت أنيق يرحب بالزوار بصوت معدني يقول «مرحباً بك، الرجاء الانتظار». بعد دقيقة واحدة فقط من انقطاع الكهرباء، يصمت الروبوت ويُطفأ ببرود، بينما تبقى الموظفة السابقة في مكتبها تواصل الترحيب بابتسامة حتى في الحر. هنا الفرق بين من يملك خوارزمية ومن يملك روحاً.

قد يأتي يوم نجد فيه روبوتاً يقدم القهوة وآخر يكتب المقالات وثالثاً يجيب على مكالماتنا في مكاتب الخدمات، لكن وسط كل هذا الذكاء الاصطناعي سيبقى هناك شيء لا يمكن برمجته، وهو الضحكة الصادقة بعد تعب، أو كلمة «صباح الخير» التي تُقال بلهجة بحرينية دافئة تشبه فنجان شاي بعد المطر.

الروبوت يستطيع أن ينظف المكتب، لكنه لا يعرف كيف يشاركك كوب الشاي أو يسمع شكواك من الزحمة. هو يتقن المهام، لكنه لا يعرف «الروح». وربما لهذا السبب، مهما تقدّمت التقنية، سيظل الإنسان هو الجزء الأجمل في المعادلة، لأنه وحده من يستطيع أن يعمل.. ويسولف.

* خبير تقني