في عالمٍ تتسارع فيه الأزمات وتتشابك فيه المصالح، تبدو العدالة الاجتماعية حول العالم كأنها رفاه فكري أكثر من كونها أولوية سياسية. لكنّ الحقيقة الاستراتيجية تقول شيئاً آخر: لا استقرار دون عدالة، ولا نهضة دون شعور المواطنين بأنهم شركاء لا مجرد متلقين للقرارات.
الثقة ليست ترفاً في إدارة الدول، بل حجر الأساس في أي علاقة بين الحاكم والمحكوم. والعدالة الاجتماعية ليست بنداً في الخطط الخمسية، بل اختبار يومي لشرعية الدولة.
فحين يشعر المواطن أن توزيع الفرص والموارد يتم وفق معايير غير عادلة -قائمة على غير الكفاءة، وعلى القرابة بدل الاستحقاق- فإن أول ما يُصاب بالوهن هو الولاء الوطني نفسه.
الدولة الحديثة في كل دول العالم لا تقاس فقط بمؤسساتها، بل بقدرتها على تمثيل تطلعات شعبها، لا احتكارها. وأي دولة تسعى للحفاظ على استقرارها دون تجديد عقدها الاجتماعي، تعيش في وهم مؤجل.
في إدارة المجتمعات حول العالم، من الخطأ أن نعتقد بأن تقديم المساواة الشكلية للجميع هو الحل. العدالة تعني أن يحصل كل فرد على ما يستحقه، وفق جهده وظروفه. العدالة أن تُفتح الأبواب للناس بالشفافية ذاتها، وأن يُحاسب الجميع بذات الميزان، وأن يشعر الأضعف أن النظام يحميه لا أنه خاضع له.
القوة الذكية لأي نظام في العالم ليست في قدرته على إدارة الأزمات الحالية، بل في استشراف التهديدات المستقبلية.
وما من تهديد أخطر من جيل يشعر أنه منسيّ، مهمّش، بلا أمل. جيلٌ لا يثق بالخطابات، لأنه لا يرى انعكاسها في الواقع حيث البطالة وتفاوت الفرص والمحسوبية وضيق العيش عالمياً.
العدالة الاجتماعية حول العالم، ليست فقط في الأجور، أو الدعم، أو الخدمات، بل في الإحساس الجمعي بأن الجميع في القارب ذاته - وأن لا أحد معزول عن المسؤولية، ولا أحد محصّن من المحاسبة.
حجر الزاوية
إذا كانت الدول حول العالم تُبنى على القوة، فإنها لا تصمد إلا بالعدالة.
وإذا كانت السلطة تُنتزع، فإن الثقة تُكتسب.
وإعادة بناء هذه الثقة لا تتمّ عبر خطاب محسّن أو ترويج إعلامي، بل عبر خيارات شجاعة ومراجعة جادة:
مراجعة السياسات، وإعادة توزيع الأدوار، وفتح نوافذ المشاركة لا فقط للحوار، بل للتأثير الفعلي.
في نهاية المطاف، العدالة الاجتماعية ليست مجرد أخلاق سياسية.. إنها أداة استراتيجية لحماية أي دولة في العالم من الداخل.