لقد أصبح تعبير الشفافية عنواناً عريضاً واسع الانتشار، مشهوراً ومستعملاً بكثرة، ويعني التزام الحاكمين والمديرين العاملين والمسؤولين على اختلاف مستوياتهم ومراتبهم بـ:

* احترام المنافسة الصريحة والحرة، ومساواة جميع المواطنين أما القانون.

* احترام قواعد التدبير الجيد وخضوع النفقات الحكومية للرقابة والافتحاص.

كما تعني الشفافية أيضا توفر المعلومات الدقيقة في وقتها وإفساح المجال أمام الجميع للاطلاع على المعلومات الكافية والضرورية، الشيء الذي يساعد على اَتخاذ القرارات الصالحة والسليمة، وكذلك من أجل توسيع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة، ومن أجل التخفيف من الهدر ومحاصرة الفساد.

فمبدأ الشفافية مبني على فلسفة اجتماعية سامية هدفها بالأساس هو دمقرطة عمل تدبير المرفق العام، وترك الحرية للفرد من أجل التعرف على الحقيقة ومناقشتها، وهي طريقة للسلوك وأسلوب للإعلام والاتصال، يهدف إلى إقامة علاقة مفعمة بالثقة، والمحافظة بين المنظمات والفئات المختلفة من الجماهير الراهن داخل المؤسسة وخارجها التي تتأثر بنشاط تلك المنظمة، فقد نجح هذا المبدأ إلى حد ما كمعيار أساس يسمح للمرفقين بالاطلاع على مختلف العمليات التي يقوم بها المسير من أجل تنفيذ الخدمات الاجتماعية، وبالتالي معرفة تفصيل إدارة المرفق الحكومي وخباياه، فإقرار مبدأ الشفافية ضمن قواعد التدبير الجيد يهدف إلى احترام المنافسة، والشرعية والمساواة أمام القانون لجميع المواطنين.

في ضوء ما تقدم يمكن إيجاز عدد من المبادرات والجهود الدولية على المستوى العالمي والآسيوي والعربي تصدرت لتعزيز مفهوم الشفافية وتحقيق النزاهة ومحاربة الفساد، وهو ما يعزز في المقام الأول قيم الشفافية والمساءلة والنزاهة في هذه الدول، منها ما يلي:

- مملكة الدنمارك تمتاز بنظام خاص مُعلن يُفصح بشفافية عن جميع المعلومات الخاصة بميزانية الدولة، كما يُسمح للمواطنين أن يقيّموا أداء الحكومة في التعامل مع الميزانية، وأن يقترحوا أوجه الصرف على المشاريع العامة للدولة.

من جانب آخر تؤكد منظمة الشفافية الدولية على أن الدول التي احتلت مراتب متقدمة في مكافحة الفساد ومنها الدنمارك، يبرز فيها هامش الحرية الواسع للصحافة، ودورها في الكشف عن جوانب الفساد بالمعلومات التفصيلية والأسماء مهما كان منصب المتورط بالفساد.

- أما الجهود اليابانية في مجال الشفافية، فقد سعت اليابان من أجل تحقيق الشفافية والنزاهة إلى تقليل اللوائح، والعمل على تحقيق اللامركزية في اتخاذ القرارات، أما عملية المساءلة الإدارية فيجب أن يفهم أن دعم المساءلة قد أدى إلى تعزيز دور الإدارات المختلفة، وجعلها مسؤولة أمام الجهات المعنية من أجل تحقيق الأهداف الموضوعة لها.

واهتمت اليابان بمدونة الأخلاق؛ فهناك معايير أخلاقية يجب الالتزام بها من قبل الإدارات المعنية، كذلك تم دعم مبدأ الديموقراطية، مع التأكيد على دور الفرد والمجتمع في عملية اتخاذ القرار، وتحفيز جميع الأفراد العاملين بالإدارات المختلفة ودعم كفاءتهم من أجل التأثير إيجابيًا على عملية دعم البنية التحتية والتنموية.

أما جهود مملكة البحرين في مجال الشفافية، فقد جاء في دستور 2002 المعدل في نص المادة (48/أ) «يتولى كل وزير الإشراف على شؤون وزارته، ويقوم بتنفيذ السياسة العامة للحكومة فيها، كما يرسم اتجاهات الوزارة، ويشرف على تنفيذها». فهذه المسؤولية التي كُلف بها يجب أن ترافقها محاسبة بقدر المسؤولية، فلذلك في حال تقصير أي مسؤول، أو ذاك لابد من مساءلته ومحاسبته على ذلك التقصير بنص الدستور.

ونرى أن متطلبات الشفافية الأكثر صرامة عملت على تحسين الممارسات الديمقراطية الحقيقية في العديد من الدول الغربية في العقود الأخيرة. ولكن الدفاع عن الخصوصية الشخصية يظل من الأهداف المهمة، ويحتاج إلى نوع من التوازن الفعّال في الحفاظ على السرية في بعض المجالات الهامة والحساسة، مثل الأمن الوطني والدبلوماسية وحقوق الإنسان.