مع بداية دور الانعقاد الرابع والأخير لمجلس النواب، تعود إلى الواجهة ظاهرة تتكرر بشكل مقلق في الحياة البرلمانية البحرينية، إذ ستجدون نشاطاً موسمياً فجائياً لبعض النواب الذين اختفوا طيلة أدوار الانعقاد السابقة، ليظهروا مجدداً كما لو كانوا في سباق مع الزمن لترميم صورتهم أمام ناخبيهم.

منذ اللحظات الأولى للحملات الانتخابية، تتزاحم الوعود والشعارات الرنانة، ويتفنن المرشحون في دغدغة مشاعر الناس بتعهدات براقة، بعضها غير قابل للتنفيذ أساساً.

وما إن يُغلق باب صناديق الاقتراع، وتُعلن النتائج، حتى يبدأ المشهد في التبدل تدريجياً.

خلال دور الانعقاد الأول، يحاول بعض النواب الإبقاء على حماسهم الانتخابي حياً، فنراهم يقدمون مشاريع ومقترحات ويسجلون حضوراً نشطاً.

إلا أن هذا النشاط سرعان ما يتبخر، وكأن الهدف لم يكن تمثيل الناس، بل الوصول إلى المقعد النيابي فقط. وهنا ركزوا إذ أقول «البعض»!

في الدورين الثاني والثالث، يغيب هؤلاء «البعض» بشكل لافت.

جزء منهم يختفي تماماً، وكأن دوره قد انتهى، بينما يكتفي آخرون بحد أدنى من الحضور والإنجاز لا يكاد يُذكر. الأصوات التي كانت تصدح في المنصات الانتخابية تنكتم، والوعود التي كانت تُحفظ عن ظهر قلب تتبخر في هواء المجلس.

لكن فجأة، ومع اقتراب نهاية الفصل التشريعي، يتكرر المشهد المألوف، فنجد عودة دراماتيكية لنواب غابوا طويلاً، مزودين بسيل من المقترحات والتصريحات والأسئلة البرلمانية.

وكأن سنوات الخمول يمكن تعويضها بانفجار دعائي في الأشهر الأخيرة.

إنه أداء أقرب إلى حملة انتخابية جديدة منه إلى ممارسة نيابية مسؤولة.

هذه الظاهرة لم تعد خفية على أحد. المواطن اليوم بات يدرك أن بعض النواب لا يظهرون إلا عندما تلوح في الأفق فرصة انتخابية جديدة، فيراهنون على ضعف الذاكرة الجمعية للناخبين، ويظنون أن ما مضى يُمحى بنشاط إعلامي مؤقت.

هذا السلوك لا يعكس سوى استهانة واضحة بدور النائب ومسؤوليته أمام الناس، ومحاولة مكشوفة لتسويق الذات لا أكثر.

الغياب عن ملفات حيوية، والانزواء في المكاتب، والظهور الإعلامي الموسمي كلها مؤشرات على من يعتبر مقعده النيابي فرصة شخصية لا تكليفاً شعبياً.

والأدهى من ذلك، أن بعض هؤلاء النواب لا يكتفون بالغياب، بل يتجنبون عمداً الخوض في القضايا الشائكة، أو مساءلة الجهات التنفيذية، خوفاً على شعبيتهم أو حفاظاً على مصالح شخصية، ثم يعودون لاحقاً ليتحدثوا عن الإنجاز والإنصات لمطالب الناس.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار وجود نماذج مشرّفة في المجلس. هناك نواب التزموا بالحضور الفعلي والمعنوي، وعملوا بصمت واستمرارية رغم المعوقات، وواجهوا ضغوطاً سياسية وشخصية، دون أن يتراجعوا عن دورهم الرقابي والتشريعي.

لكن الصورة العامة تظل مشوشة بسبب من يحوّلون العمل النيابي إلى مجرد موسم دعائي، ويظنون أن المواطن سيغض الطرف عن ثلاث سنوات من الغياب مقابل بضعة أشهر من الحراك المصطنع.

اليوم، الناخب البحريني أكثر وعياً من أي وقت مضى، ولا تنطلي عليه هذه العروض المؤقتة. فالمرحلة تتطلب نواباً حقيقيين، لا من يتقنون فن الظهور في الوقت المناسب، ويغيبون حين يكون المواطن في أمسّ الحاجة إلى صوتهم.

دور الانعقاد الأخير ليس منصة لتلميع الصورة، بل فرصة أخيرة لبعض النواب لإثبات أنهم كانوا على قدر الثقة.

فإن فشلوا مجدداً، فإن الناخبين يملكون الحق الكامل في تغييرهم عبر صناديق الاقتراع، واختيار من يمثلهم فعلياً، لا من يظهر فقط عند اقتراب الانتخابات.