تشير نتائج الدراسات الحديثة إلى أن الصحة النفسية لدى فئة الشباب تمرّ بمرحلة دقيقة تتطلب تدخلاً جاداً، حيث لم تعد حالات القلق والاكتئاب مجرّد استجابات فردية عابرة، بل تحوّلت إلى ظاهرة متنامية تعكس ضغوطاً اجتماعية ونفسية مركبة.
وفقاً لتحليل المسح العالمي لصحة طلبة المدارس (GSHS)، الذي نُشر في مجلة جمعية الأطباء البحرينية عام 2023، فإن 16% من الطلبة يشعرون بالوحدة والقلق المتكرر، بينما أشار 15% منهم إلى أنهم فكّروا جدياً في الانتحار خلال عام واحد! ويُظهر التحليل ارتباطاً وثيقاً بين هذه الأعراض وتزايد حالات التنمّر في البيئة المدرسية.
ورغم أهمية هذه المؤشرات، فإن ما يدعو للقلق بشكل أعمق هو خفوت الصوت المجتمعي حيال هذه الأزمة، وهناك بعض يصف من يسعى للمساعدة النفسية بصفات سلبية كـ»الضعف» و»القلق»، مما يزيد من تفاقم الوضع.
تتجاوز المشكلة حدود الأفراد، لتصل إلى ضرورة وجود بنية مؤسسية فعّالة للرعاية النفسية المبكرة. مهم أن تضم المدارس مختصين نفسيين بدوام كامل، وكذلك المراكز الصحية الأولية لابد وأن تمتلك المسارات الواضحة في اكتشاف الحالات في مراحلها الأولى، كما أن وسائل الإعلام مهم أن تقدم حملات مستمرة لكسر الصورة النمطية حول الاضطرابات النفسية. بالتالي هناك حاجة ماسّة لوضع استراتيجية وطنية تُدمج الصحة النفسية ضمن أولويات الأمن الاجتماعي، بدل النظر إليها كخدمة ثانوية.
في رأيي من المفيد تعيين مرشد نفسي في كل مجمّع تعليمي، مع تفعيل برامج وطنية للحدّ من التنمّر، وربط المؤسسات التعليمية بالمراكز الصحية عبر نظام إحالة رقمي فعّال. كما يتوجب إطلاق حملة إعلامية يقودها الشباب أنفسهم، تهدف إلى تغيير التصورات السلبية تجاه العلاج النفسي. بالإضافة إلى ذلك، من المهم توفير خط اتصال وطني سري، إلى جانب خدمة دردشة فورية مخصصة للمراهقين، وتدريب الطواقم الطبية وأخصائيي الرعاية الأولية على مهارات الكشف المبكر عن الاضطرابات النفسية.
ضغوط العصر الحالي، بما في ذلك تأثيرات ما بعد الجائحة والانعزال الرقمي، تفرض تحديات جديدة على هذا الجيل، ما يتطلب بيئة تتسم بالتفهّم والدعم بدلاً من الحكم والوصم. وعندما يُفكّر واحد من بين كل ستة طلاب في إيذاء نفسه، فإننا لسنا أمام مؤشرات تحذيرية فقط، بل أمام خطر قائم يتطلّب استجابة فورية.
بلادنا تمتلك من الموارد والكوادر ما يؤهلها لأن تصبح نموذجاً إقليمياً في تقديم خدمات الصحة النفسية للشباب، إذا اختارت أن تجعل عام 2026 نقطة تحوّل في هذا الملف. فالرعاية النفسية ليست ترفاً، بل ركيزة لاستقرار المجتمع وازدهاره.