قبل عام فقط كانت القوات الروسية تقصف مواقع (هيئة تحرير الشام) التي كان يقودها المناضل أبو محمد الجولاني - أحمد الشرع - في المحافظات السورية دعماً لنظام حليف روسيا آنذاك بشار الأسد. قبل أيام - وبشكل مفاجئ - نجد أحمد الشرع بصفته رئيساً جديداً لسوريا في موسكو في لقاء مباشر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
فما الذي دفع الشرع إلى تجاوز العداء الذي استمرّ لعقد كامل بينه وبين الروس والسفر بعد أحد عشر شهراً فقط من توليه السلطة إلى العاصمة الروسية؟
مقال في موقع مركز الفكر «كارنيجي» يوضح أن السلطة السورية الجديدة تحتاج أن تعزز من شرعيتها دولياً من خلال الحصول على المزيد من الاعترافات بها، كما أنها تبحث عن شركاء من مختلف الدول لإعانتها على أوضاعها الاقتصادية والأمنية المهزوزة. وفي المقابل فإن الروس ومن خلال استقبالهم للشرع، يثبتون للعالم أنهم مازالوا أصحاب نفوذ وتأثير في الشرق الأوسط حتى بعد رحيل حليفهم «الأسد».
ويشير المقال أن الشرع وصل إلى موسكو ليطلب من الروس عودة القوات الروسية إلى سوريا، وذلك لعدة أسباب أهمها المشاركة في حفظ الأمن في بعض المناطق التي شهدت اضطرابات دموية مؤخراً مثل محافظة السويداء ومحافظتي اللاذقية وطرطوس في ظل عدم قدرة السلطة السورية الجديدة على التعامل مع الضغوطات الأمنية حالياً.
كما أن للوجود العسكري الروسي المحتمل أهمية تكمن في إضفاء عازل للهجمات الإسرائيلية وتقليصها عددها. ومن المرجح أن يفرض التواجد الروسي توازناً عسكرياً داخل سوريا خاصة مع خطط أنقرة في التوسع العسكري في الشمال السوري.
أيضاً، وهو أمر لم يتغير منذ سنوات، تبقى ثلث الأراضي السورية تحت سيطرة القوات الكردية المسلحة التي ترفض تسليم سلاحها والانخراط في الجيش السوري، مما يشكل عقبة كبيرة أمام جهود السلطة الجديدة في سوريا لبسط سيطرتها على كامل الأراضي السورية، لذلك وبحكم الخبرة الروسية الطويلة في التعامل مع الأكراد فإن وجود قوات روسية في سوريا يفتح المجال لوساطة روسية بين السلطة و الأكراد وهذا ما يرغب به الشرع.
من الجانب الاقتصادي، من غير المتوقع أن تساهم روسيا في دعم سوريا مالياً لإعادة الإعمار نظراً لعملياتها العسكرية في أوكرانيا التي تستنزف الكثير من المال، لكن المعلوم أن الروس قبلوا تزويد سوريا بالقمح والدواء والأغذية خاصة في ظل معاناة نحو 12 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي.
وعلى هامش الزيارة تم التأكيد على طباعة الأوراق النقدية السورية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد والذي تشرف على طباعتها شركة روسية تسمى (جوسزناك) وهو مؤشر أن الشراكات السورية الروسية القديمة ستبقى.
على أية حال، تبدو مهمة الرئيس أحمد الشرع، الأربعيني الذي يتأخر الشيب في غزو شعره، معقدة للغاية فبناء دولة مزقتها حرب طويلة، وتتعرض إلى ضغوطات اقتصادية خانقة، وتعيش حالة عدم استقرار أمني المستمرة، تتطلب الكثير من العمل والجهد وتقديم التنازلات والتراجع عن مواقف سابقة، ولهذا تصبح زيارة موسكو أمراً مفهوماً، بل وضرورياً.
واللافت أن الشرع، الذي حمل السلاح حتى العام الماضي، يقوم بدور مقنع في التحول من مقاتل شرس إلى سياسي ورجل دولة براغماتي يعي أن الأوطان لا تبنى بالبنادق، بل بالتحالفات والمصالح.