لم تعد مملكة البحرين تنظر إلى النفط باعتباره الدعامة الثابتة لاقتصادها، بل تجاوزت هذا التصور التقليدي نحو رؤية تنموية حديثة تضع الإنسان وإمكاناته في صدارة الأولويات.

اليوم أصبح الرهان الحقيقي على ما يبدعه العقل، وما تنتجه الكفاءات، لا على ما يُستخرج من باطن الأرض.

هذا التحوّل الجوهري يعكس إدراكاً عميقاً بأن بناء المستقبل لا يعتمد على الموارد وحدها، بل يستند إلى المعرفة، والاجتهاد، والاستثمار في القدرات البشرية.

والبحرين أظهرت أن الطموح والرؤية الاستراتيجية قادران على فتح آفاق جديدة للنمو، قد لا تكون واضحة للوهلة الأولى.

التحركات الأخيرة في مجالات التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، مؤشرات فعلية على ميلاد اقتصاد مرن وديناميكي، يعتمد على الإنتاج والإبداع، لا على الاستهلاك والانتظار.

هذا التحوّل يكتمل شريطة أن يواكبه إصلاح عميق في التعليم والتأهيل، لأن تطوير الاقتصاد لا يمكن فصله عن إعداد جيل يمتلك المهارات اللازمة لقيادة هذا التغيير، لا أن يكون شاهداً عليه.

في ظل هذه النقلة، يبرز تحدٍّ محوري؛ إذ المواطن لا يكتفي اليوم بالوعود والخطابات الجميلة، بل ينتظر نتائج ملموسة تنعكس في حياته اليومية.

هناك خطر من الشعارات مهما كانت براقة؛ فالمعيار الحقيقي لتطبيق الشعارات يتمثل بالإنجاز الفعلي.

وعليه المطلوب هو رؤية الأثر، وذلك في فرص عمل واقعية، وتعليم نوعي، وخدمات عامة يلمس المواطن تحسّنها ويستفيد منها بشكل مباشر.

لكي تنجح هذه المرحلة الجديدة، يجب توافر بيئة اقتصادية وتشريعية تتبنّى الأفكار المبتكرة، وتفتح المجال أمام القطاع الخاص ليكون شريكاً فعّالاً في التنمية.

فمقومات النمو في هذا العصر تعتمد على التعاون والانفتاح، والابتعاد عن العمل الفردي أو الحصري.

رغم هذا الانفتاح، من الضروري الحفاظ على الهوية الوطنية والخصوصية الثقافية.

فالتحديث لا يعني التفريط بالذات، والازدهار لا يُقاس فقط بالأرقام، بل بما يحققه من تحسين وعدالة ورفاه للناس. والغاية النهائية تتمثل ببناء مستقبل يعكس القيم المتجذرة في المجتمع، ويضع الإنسان في مركز العملية التنموية.

مملكة البحرين، وهي تخطو بثقة في مسارها نحو اقتصاد أكثر تنوعاً وتطوراً، تسطّر فصلاً جديداً من مسيرتها القائمة على الإيمان بالقدرة على التغيير وصنع الفارق.

بلدنا لا تنتظر ما سيأتي، بل تعيد صياغة الغد بطريقتها، لتؤكد أن قوة الأمم تُقاس بما تنتجه من فكر، وتحققه من إنجاز، وتغرسه من قيم تستمر وتترسّخ عبر الأجيال.