ازدهرت الزراعة في الجزيرة العربية خلال العصور الإسلامية، وكان لإقليم البحرين دورٌ محوريٌ في هذا الازدهار، خاصّة في زراعة النخيل وإنتاج التمور. فقد عدّ ابن خلدون الزراعة من أقدم الصناعات التي اتخذها الإنسان، وأكّد الإسلام على فضلها ومنزلتها، كما ورد في آيات قرآنية كثيرة منها قوله تعالى: (وجعلنا فيها جناتٍ من نخيلٍ وأعنابٍ)، وقوله: (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرًا ورزقًا حسنًا). وجاءت السنة النبوية لتؤكد هذا التوجه، كحديث: «إذا قامت على أحدكم القيامة، وفي يده فسيلة فليغرسها».

ورغم الطبيعة الصحراوية للجزيرة العربية، فقد تميزت البحرين بوفرة المياه الجوفية وخصوبة التربة في بعض المناطق مثل واحة الأحساء وأوال، مما هيأها لتكون قاعدة زراعية مهمة، وهو ما أشار إليه المؤرخون مثل القلقشندي والألوسي، واصفين إياها بأنها سلة الغذاء لمعظم الجزيرة.

ولعلّ أهم ما ميّز زراعة هذا الإقليم هو النخيل. فقد كانت النخلة مورداً أساسياً لغذاء السكان، فضلاً عن استعمال سعفها وجذوعها في الصناعات اليدوية والبناء. وقال أحدهم في وصف النخلة «حملها غذاء، وسعفها ضياء، وجذعها بناء.. وليفها رشاء، وخوصها وعاء»، مما يوضح مدى استفادة الناس من كل جزء من النخلة.

وقد ورد ذكر التمر في أحاديث نبوية عديدة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «بيت لا تمر فيه جياع أهله». وفي العصور الإسلامية، صارت تمور البحرين سلعة متداولة تُصدّر إلى مختلف أنحاء الجزيرة وخارجها. وذكر المقدسي أن الله أكرم شرقي الجزيرة بـ«خير الثمار وسيدة الأشجار التمر والنخل»، وعدّها ابن الفقيه «ريف الدنيا من التمر».

واشتهر الإقليم بأنواع عديدة من التمور بلغت ما يفوق 800 نوع حسب النبهاني، منها البرني، الفرض، الهلالي، الطيار، التعضوض، الزنبور، الباهين، المجناز، وغيرها. وتميزت هَجَر، وهي من مدن الإقليم القديمة، بتمورها التي ضُرب بها المثل، فقيل: «كمبضع تمر إلى هَجَر» إشارةً لوفرة التمور وتنوعها والمتاجرة بها. وكانت بعض الأنواع مثل التعضوض والبَرني شديدة الحلاوة ومطلوبة في الأسواق، بينما استُخدم الرديء منها كعلف للمواشي.

لم تكن شهرة التمور في البحرين بسبب كثرتها فحسب، بل بسبب جودتها أيضًا. فقد عُرف أهل البحرين بمعرفتهم الدقيقة بأنواع التمور ومواصفاتها، كما يظهر في جواب أحدهم للحَجّاج حين سُئل عن أفضل التمر فقال: «ما غلظ لحاؤه، ودق نواه، ورق سحاه».

وهكذا، فإنّ زراعة التمور في إقليم البحرين لم تكن مجرد نشاط اقتصادي، بل شكّلت جزءاً من الهوية الثقافية والاقتصادية والدينية للسكان. ولا يزال هذا الإرث الزراعي مستمرًا حتى يومنا هذا، حيث تحتفظ مملكة البحرين بمكانتها التاريخية في زراعة النخيل وإنتاج التمور، إذ تُعرف بلقب «بلد المليون نخلة» لما تحتويه من أعداد كبيرة من النخيل المنتشرة في مختلف مناطقها، وقد حافظت مملكة البحرين على هذا التقليد الزراعي العريق، وواصلت تطويره من خلال دعم المزارعين وتحسين تقنيات الزراعة والتسويق، لتظل النخلة رمزاً للعطاء والهوية الوطنية، وجزءاً لا يتجزأ من تراث البحرين الحضاري والثقافي.