تتنوع أسباب نشوء الحضارات والثقافات من الأسباب الثقافية وحتى التقنية والمالية والعسكرية. وكما يقال، فإن التاريخ يعيد نفسه، فنشوء الحضارات يبدأ بما يخطه القلم السليم، ويستلهمه العقل القويم.. إنها القراءة. والقراءة تتطلب أمرين: كاتبٌ مبدع، وقارئٌ نهم، وحديثنا اليوم سيكون حول القارئ النهم، حيث تغص المكتبات المحلية والعالمية بالملايين من المؤلفات الإبداعية، من قصص وشعر وروايات، وصولاً إلى مؤلفات في العلوم الصلبة كالفيزياء والذرة والكيمياء. ليس هدف هذا المقال هو تثبيط المجتمع، بل إعادة توجيه البوصلة لموضوع شديد الأهمية لنهضة أوطاننا، إنها قيمة المعرفة. أتساءل مع نفسي عند السفر لبعض الدول، كما يتساءل الكثيرون غيري، كيف لطفل أو شابٍ أن يقرأ كتاباً على قارعة الطريق، أو في القطارات والمطارات، وفي أي مكان -وكأن القراءة لا علاقة لها أبداً بالزمان والمكان. أين علاقة الحب -إن جاز التعبير- بين أطفالنا والكتاب، بغض النظر عن محتواه (طبعاً أتحدث عن المحتوى المفيد). ليس المجال هنا مجال التعميم، فهنالك نسبة لا بأس بها من أبنائنا وبناتنا اليافعين واليافعات ممن تربطهم علاقة وطيدة مع الكتاب، ولكن ماذا عن السواد الأعظم منهم؟ لم يتعلق أبناؤنا وبناتنا بالهاتف الذكي، أو بلعبة إلكترونية ما، على سبيل المثال، دون الكتاب؟ أتمنى أن تتاح لي الفرصة مستقبلاً أن أكتب بحثاً حول «مفهوم الكتاب» لدى الطلبة. لقد قمت وعلى سبيل التجربة الشخصية، ولغرض كتابة هذا المقال، بسؤال بعض الطلبة القريبين ممن هم حولي ما يلي: ما الذي يمثله لك الكتاب؟ ثم أتبعت هذا السؤال بـ «ما الذي يعني لك البلاي ستيشن أو السوشال ميديا»؟ قد لا أحتاج إلى ذكر الردود، فالقارئ يستطيع استنباط استجابات الطلبة، وإن كانت هذه عينة غير ممثلة للأمانة العلمية. بغض النظر عن السؤال والاستجابات، يجب علينا كآباء، وتربويين، ومثقفين التأمل بالسبل والأفكار الإبداعية التي تجعل القراءة أمراً جميلاً ومشوقاً لدى طلبتنا. لنتحدث بصراحة، هنالك بعض الطلبة «وحتى بعض الشباب» ممن لم يقرؤوا أي كتاب خارج الكتب المقررة عليهم في مرحلة الدراسة (وفي الغالب نسوا محتواها). ليس لدي ككاتب وتربوي حل مثالي، فهذه قضية تتطلب عقد ندوات ولقاءات وإجراء دراسات موسعة لفهم الواقع وتطوير خطة عمل على مستوى الدولة. إن استطعنا الوصول لهذه المعادلة فحينها نكون قد أنجزنا الهدف: أن تكون درجة السعادة التي يصل إليها أبناؤنا وبناتنا عند شراء كتاب في الموضوع الذي يحبونه هي نفس درجة السعادة التي يشعرون بها عند شراء هاتف أو لعبة إلكترونية جديدة. هذا بالطبع يتطلب الكثير من الأفكار الإبداعية التي تأتي نتيجة لعمل جماعي، وليس مجرد أفكار يتبناها كاتب ما، فهل يمكننا الوصول لهذه المعادلة؟* نائب عميد كلية التربية والعلومالإدارية والتقنية - جامعة الخليج العربي
إنهم لا يقرؤون!
د. أحمد العباسي
د. أحمد العباسي