في زمننا الحالي، أصبح الناس ينقسمون إلى فئتين متضادتين بشكل يثير الانتباه؛ فئة وكأنها «ملائكة» تتّسم بالنقاء والرحمة، كأنها وُجدت لتعكس أجمل ما في الإنسان، وأخرى يغلب على سلوكها الخداع والأنانية، وكأنها لا تعرف للضمير طريقًا، وهذه هي فئة «الشياطين». وفي هذا التناقض الحاد، يتشكل عالمٌ تتصارع فيه القيم، ويتمايز فيه البشر وفق أخلاقهم، لا بما يظهرونه من أقوال.

أولئك الذين يُفسدون من حولهم، ليسوا مخلوقات خيالية كما نراها في القصص، بل هم أشخاص يحيطون بنا، يلبسون أقنعة الودّ بينما يخفون نوايا ملوّثة. في محيط العمل، يسلبون جهود غيرهم، وينسبون الإنجازات لأنفسهم، وفي علاقاتهم الشخصية، يختلقون الفتن، ويتغذون على زعزعة الثقة. قلوبهم مغلقة أمام الرحمة، وكلماتهم كثيرًا ما تحمل الطعن والإساءة. التعامل معهم يتطلب وعيًا ويقظة، لا عفوية ولا عاطفة.

يجب أن نرسم حدودًا واضحة معهم، نمنعهم من التوغّل في دواخلنا، ونُبقي التواصل معهم في أضيق حدوده، لأنهم يتغذّون على ردود أفعالنا أكثر مما يتأثرون بكلماتنا.

وهناك فئة أخطر، هم فئة «الشياطين الذين يُتقنون التمثيل»، يظهرون في هيئة الطيبين، بينما يُخفون وجوهًا أخرى لا تتوافق مع ما يُظهرونه. يمدّون يد العون متى وُجدت الأعين، ثم يغدرون حين يغيب الشاهد. لا يسهل التعرف عليهم من الوهلة الأولى، فهم بارعون في تقمص دور الإنسان النبيل.

لذلك، لا بد أن نستعمل حدسنا، ونحكم عليهم بتصرفاتهم المتكررة، لا بكلماتهم الملساء. من يُبدّل مواقفه بتبدّل مصلحته، أو يغيب في وقت الحاجة، ثم يظهر عند الفائدة، لا يستحق الثقة. الوقاية من هؤلاء ليست تشاؤمًا، بل هي حماية للصفاء الإنساني بداخلنا.

وفي المقابل، هناك من تشعر بالقرب منهم وكأنك في حضرة نور. أناس «ملائكيون» يعيشون بصدق، يتعاملون ببساطة، ويُحسنون دون أن ينتظروا مقابلاً. وجودهم يبعث الطمأنينة، وكلامهم يخفف من الغضب، وتصرفاتهم تذكّرنا أن الخير لا يزال حيًا. إذا أساؤوا، اعتذروا، وإذا أحسنوا، لم يتفاخروا.

هؤلاء كنوز نادرة في عالم بات يفتقر للنادرين. يجب أن نحافظ على وجودهم كما نحافظ على ما تبقى من ضوء في عتمةٍ طويلة.

ولنفرّق بين الملائكة والشياطين، لا يكفي أن نُحسن الظن أو نستمع للكلمات الجميلة. ما يحدد جوهر الإنسان هو أفعاله حين يغيب الرقيب، ونيته حين لا ينتظر مقابلاً.

من يتغيّر مع الظروف، ليس صادقًا. أما من يبقى ثابتًا في قيمه، فهو من يستحق التقدير. الشرّ يسعى دائمًا للأخذ، أما الخير فجوهره في العطاء.

العالم يحمل بين طياته الظلام والنور معًا، لكن الخيار دائمًا بأيدينا، إما أن نكون ضوءًا في حياة الآخرين، أو أن ننجرّ إلى عتمة القسوة والأنانية. فلنحذر من أصحاب الأقنعة، ولنُحسن إلى أصحاب القلوب النقيّة، ولنحاول أن نكون ممن يتركون أثرًا طيبًا أينما مرّوا.