عند قراءتكم لهذا العمود، ستكون منافسات مبادرة نكتب بالعربية قد وصلت إلى خط النهاية بعد عطلة نهاية أسبوع مفعمة بالحماس، عاش خلالها المشاركون تجربة مختلفة؛ كتابة رواية خلال 24 ساعة موزعة على يومين، من الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساءً، تحدٍّ يقيس قدرة الموهبة على تحويل الزمن إلى حكاية، وتحويل الإرهاق إلى نصّ يستحق أن يُقرأ.
ومنذ يوم الأحد وحتى الخميس، رافقتُ هذه المجموعة في تدريب مكثّف استمر ثلاث ساعات يومياً، كانت الأيام الخمسة مساحة مفتوحة نتنقّل فيها بين مدارس الرواية، ونفكّك عناصر السرد، ونجرّب بناء الشخصيات وصياغة الحوارات ومعمار الزمن، وعبر النقاشات والتطبيقات، بدأ كل مشارك يكتشف الطريق التي تناسب صوته الإبداعي، ويختبر علاقته باللغة بوصفها حياة كاملة لا مجرد وسيلة للتعبير.
الأجواء العامة حملت طاقة غير عادية، فهناك رغبة في التعلم، واندفاع نحو الكتابة، وشغف بمنافسة من نوع مختلف، أما اللجنة المنظمة فقد وفّرت كل ما يمكن أن يحفّز الخيال؛ أماكن هادئة، مشروبات وسناكس، وترتيبات تضفي على التجربة روحاً تشبه ورش الكتابة العالمية.
وقد تميزت النسخة الثانية من المبادرة بزخم واضح نابع من رؤية وطنية واسعة، فقد جاءت تحت رعاية كريمة من سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، ممثل جلالة الملك للأعمال الإنسانية وشؤون الشباب، وبشراكة استراتيجية جمعت وزارة الإعلام، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة شؤون الشباب، وشركتي فيزا وزين البحرين، وأسرة الأدباء والكتّاب، وكل ذلك بتنظيم راقٍ من بنك البحرين الإسلامي الذي يقدم هذه المبادرة للسنة الثانية على التوالي.
وبما أن كل مبادرة تحتاج جهة تمتلك إيماناً حقيقياً بأثرها، فإن بنك البحرين الإسلامي يستحق وقفة تقدير واضحة، فالمؤسسة التي تستثمر في الكتابة واللغة، وتمنح الشباب منصة تليق بموهبتهم، تؤدي دوراً أبعد من رعاية فعالية، فهي تصنع بيئة تحتضن الخيال، وتفتح الباب أمام جيل جديد ليكتب بلغته، ويختبر قدرته على الإبداع في مساحة منظمة ومحفّزة، نتمنى لهذا المشروع أن يتطور ويتوسع ويستمر، لأن المبادرات التي تبدأ من قلب الفكرة الصحيحة قادرة على خلق أثر عميق وطويل المدى.
كما أن رعاية سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة تُضيف للمشهد بُعدًا مهماً، لأنها تمنح الشباب ثقة بأن صوتهم مسموع، وأن الإبداع جزء من معادلة المستقبل، تماماً مثل الابتكار والرياضة والعمل الإنساني، ووجود وزارة الإعلام يعزّز مكانة العربية في الهوية الوطنية، أما وزارة التربية والتعليم فهي الشريك الذي يعرف أثر الكلمة الأولى التي تُزرع في ذهن الطالب، ودورها في ربط الأجيال بلغتهم الأم وإبراز مواهبهم الأدبية منذ مقاعد المدرسة، وتضيف وزارة شؤون الشباب رؤيتها التي تترجم حاجات الجيل الجديد في منصّات عصرية تواكب تطلعاته.
أما أسرة الأدباء والكتّاب، فهي الجسر الذي يصل التجربة الأدبية الراسخة بكتّاب اليوم؛ جيل يخطو أولى خطواته، وجيل صنع بدايات الحركة الثقافية، وجيل جديد يبحث عن صوته، وجودها داخل المبادرة يمنحها عمقاً وتوازناً بين خبرة الماضي وحماسة المستقبل.
إن مبادرة نكتب بالعربية أوسع من مسابقة، لأنها تعيد للغة حضورها الطبيعي وسط عالم يتغير بسرعة، ومن يشاهد شباباً يكتبون رواياتهم خلال 24 ساعة، ويصرّون على أن يكتبوها بالعربية، يدرك أن اللغة تستعيد قوتها حين تجد من يحملها إلى غدٍ أكثر إشراقاً.
هؤلاء كتبوا.. ومنحوا العربية يومين من الضوء، واستعادت هي ما تستحقه من حياة.