مؤسسة كبيرة كانت تبحث عن قائد جديد لإدارة قطاع بالغ الأهمية، يتطلب دقة عالية ولا يحتمل التهاون.

تقدّم عدد من المرشحين، يحمل كلٌّ منهم شهادات مرموقة وسِيَراً ذاتية زاخرة بالإنجازات، غير أن رئيس المجلس لم يُعر ذلك اهتماماً كبيراً. اكتفى بطلب بسيط، أن يُمضي كل مرشح ساعة واحدة بين الموظفين، دون أن يُفصح عن هويته، ليراقب كيف يتصرف في بيئة العمل الحقيقية.

مرّت الساعة، فخرج أحدهم يُصدر التعليمات ويمنح التوجيهات لموظفين لا يعرفهم، وكأن القيادة عنده ترتكز على السلطة فقط. وخرج آخر مرتبكاً، يكتب ملاحظات بانفعال خشية أن يُسأل عما يجهل.

أما الثالث، فاختار الجلوس مع الفريق، سألهم عن واقع العمل، استمع إلى آرائهم، وشاركهم النقاش حول التحديات، ثم غادر بهدوء وابتسامة صادقة، وقد كوّن تصوراً واضحاً عما يحتاجه المكان.

عند نهاية اليوم، قال رئيس المجلس: «القيادة لا تُقاس بما يقوله المرشح عن نفسه، بل بما يشعر به الآخرون تجاهه عندما لا يدرك أنه قيد التقييم».

هذا أساس في بناء القيادات الواعية، إذ الكفاءة القيادية لا تنبع من الألقاب ولا الشهادات، بل من الحضور الفعّال، والأسلوب المتزن، وطريقة التواصل، وكيفية التعامل مع البشر قبل إدارة الأعمال.

الشخص المناسب تظهر كفاءته في تفاصيل سلوكه، في إنصاته قبل حديثه، وفي احترامه قبل قراراته، وفي تقييم من حوله له قبل أي تقارير مكتوبة.

اليوم لم يعد هناك متسع لتجربة الحظ في وضع أشخاص غير مؤهلين في مواقع محورية. فنتائج الاختيارات غير الموفقة لم تعد محدودة التأثير أو آنية، بل قد تتسبب في اضطرابات متتالية تتطلب وقتاً طويلاً وجهوداً كبيرة فقط لإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي.

هنا تطل أسئلة هامة بقوة، إذ ما الأثر الذي خلّفته تعيينات أشخاص غير مؤهلين إدارياً ولا علمياً؟! وكم أنفقت المؤسسات من ميزانياتها على أفراد اتّضح لاحقاً أنهم لم يضيفوا قيمة حقيقية، بل أسهموا في التعطيل والتراجع وربما إرباك العمل؟!

والأخطر من كل ذلك، أن الوقت والفرص التي فُقدت بسبب تلك القرارات لا يمكن تعويضها. فالمال يُمكن استرجاعه بمرور الوقت، أما الزمن فلا يعود، وتحطيم البشر والطاقات والكفاءات لا ينجبر بسهولة.

بالتالي، من يُعيد للأوطان ما خسرته من طاقة وجهد بسبب منح الثقة لشخصيات غير مؤهلة؟! ومن يتحمّل تبعات تلك اللحظات التي حُسمت فيها اختيارات رسمت ملامح المستقبل؟!

اختيار المسؤولين -باختلاف المستويات- بعناية ودقة مسؤولية مفصلية تُسهم إما في الدفع بعجلة التقدّم، أو في الانشغال المستمر بإصلاح آثار قرارات لم تكن في محلها.

وأحياناً نتوسم الخير في شخصيات نظراً لطريقة تقديمهم لأنفسهم والترويج لقدراتهم، في حين الواقع بعدها يكشف أن «التسويق» لم يكشف ضعف القدرات الإدارية وعدم الأهلية لإدارة البشر.

وأتساءل هنا بكل صراحة، كم قطاعات تراجعت، وكم من طاقات غادرت، وكم من نفسيات تحطمت، والسبب «شخص غير مناسب إطلاقاً» في مكان هام يفترض أن يقدّم نتائج إيجابية ومؤثرة؟!