نقطة التجمع وصف أطلقناه على كل «قاسم مشترك» يجمع الهويات المتعددة تحت الراية البحرينية.
منتخب البحرين كان نقطة تجمع، جعل أهل البحرين من شمالها إلى جنوبها، ومن غربها إلى شرقها يلتفون حول رايته البحرينية، مما أشبع لدينا التعطش للحالة التي افتقدناها بسبب دواخل غريبة على الأصل والأساس، فسادت تلك الفسيفساء والفئوية، وغلبت على الصورة البحرينية.
ثم جاء «ريترو المنامة» نقطة تجمع آخر حفزت بتنشيطها لخانة الذكريات. أما يجمعنا طفولياً وشبابياً، دواعيس شهدت خطوات متعددة الهويات ومدارس جمعت مختلف الهويات، وصهرتها في ذاكرة واحدة مشتركة فالتف حولها سنة وشيعة وذوو أصول عربية وأعجمية وحتى ذوو الأصول الأجنبية، كلهم يشتركون في ذاكرة منامية واحدة.
برنامج «قدها 2» بالنسخة الثانية منه والذي يعرض على منصة «شاهد» نقطة تجمع بحرينية ثالثة، والكلام عن جودة البرنامج الفنية كلام مفروغ منه، إنك تتفرج على برنامج من برامج الواقعية بأعلى المستويات الفنية، إنك أمام مخرج عالمي بحريني يدعى أحمد الشيخ وفريق عمل بحريني عالمي، أجاد في إخراج هذا العمل بهذه الصورة التي تعد مفخرة من جميع الجوانب.
إنما ما أود الحديث عنه هو «نقطة التجمع» الوطنية التي يجتمع فيها أبناء البحرين بمختلف هوياتهم العقائدية كما كانوا يفعلون دائماً في تاريخهم العريق، وينخرطون في عمل تحت راية الدولة البحرينية تحت علم البحرين، وكنت أتمنى أن يكون العلم البحريني حاضراً في جميع المشاهد واللقطات الثابتة والمتحركة كي تكتمل الصورة الذهنية عن نقطة التجمع البحرينية.
لا يمكن لأي مشاهد للبرنامج إلا أن يقف عند اللهجة (البحرانية) أي لهجة أهل القرى من الطائفة الشيعية وهم يتحدثون عن تجربتهم باعتزاز في المشاركة في مثل هذا البرنامج، الذي يلزم المشارك فيه بالطاعة والتزام للمدربين ضمن عقيدة عسكرية تأتمر بالقيادة التراتيبية، وتطيع طاعة عمياء، وبثقة بأنه بين أيدٍ أمينة مهما صعب التحدي ومحمي من القيادة التي تدربه وتشرف على تأهيله، ومن زملائه وبالمناسبة أود أن أشيد بالمدربين خاصة، وقد اكتسبوا خبرة في مواجهة الكاميرا من عملهم في النسخة الأولى.
نعود لنقطة تجمعنا كبحرينيين، البرنامج هو واحد من المبادرات التي تعيد صياغة حاضرنا بمرجعية تاريخية أصيلة، هكذا كان الاندماج بين أبناء الوطن الواحد تحت راية واحدة وبروح قتالية تحت قيادة واحدة، هذا هو الأصل، وتلك هي القاعدة الوطنية الأولى التي تذيب الفوارق، وتصنع الهوية الوطنية الموحدة لأي هويات خصوصية مختلفة ومتعددة.
صورة جميلة جداً جداً في العمق الذهني تلازمك وأنت تتابع البرنامج الذي لا يلمح ولا يصرح بها من قريب أو بعيد إنما هي صورة تفرض نفسها عليك في جميع المشاهد خاصة حين يتحدث المشاركون عن تجربتهم في اللقاءات الفردية، ترى الجدية والإصرار والعزم على المشاركة والفوز والقبول بالتحديات مصاحبة لتلك اللهجة العفوية، والقبول بالطاعة الشديدة لأوامر المدربين وهي وتد الخيمة في أي عقيدة عسكرية في أي من دول العالم.
ترى العلاقة الشخصية كيف تبنى بين المشاركين بعضهم البعض، وتتعزز خاصة في المسابقات ذات الطابع الجمعي اللعب يكون فيه ضمن فريق واحد، حيث يتطلب الأمر درجة من درجات الإيثار والتضحية والتحمل من أجل الآخرين الذين قد يكونون مختلفين عنك عقائدياً أو عرقياً، إنما توحدكم مصلحة مشتركة هي الفوز الجمعي الذي لن ينسب لواحد منكم.
مناسبات كليالي المحرق وهوى المنامة ممكن أن تساهم في إبراز نقاط التجمع البحرينيية بين المختلفين إنما الموحدين تحت راية الوطن مثلما فعل المنتخب البحريني مما جعل جلالة الملك المعظم راية ورمز هذه النقطة يصر على المباركة المباشرة والاستباقية لحظة عودتهم لوطنهم.
هذا ما نطمح أن ننقله لأبنائنا، أن نهزم به الصور التي تقتحم ذاكرتنا، وتنهبها بقصد زرع صور غريبة عليها تحاول تثبيتها بأن هناك بحرين منقسمة بين محبين وكارهين لرموز دينية.
أي فتى من أي موقع في البحرين من القرى ومن المدن من الشيعة ومن السنة لا فرق، حين يشاهد برنامج «قدها» لابد أن يحلم بالمشاركة في النسخة القادمة فهو محفز في إخراجه الفني لكنه نقطة تجمع بحرينية في رسالته الواقعية.
هذه هي القوى الناعمة التي توظف بشكل مدروس لخدمة تعزيز الهوية الوطنية التي نطمح بزرعها في عيالنا البحرينيين، إنه ثمرة إن واظبنا على تعزيزها وتكررها وجعلها ضمن استراتيجية مستمرة تحرص على أن تكون جزءاً من حراكنا الفني والرياضي والتراثي والثقافي سيكون له أثر عظيم يواجه ماكينة التفتيت بقوة.