أثارت مداخلة النائب خالد بوعنق حول عدم علاج الأجانب في المستشفيات الحكومية، بحجة أنهم يزاحمون المواطنين، جدلاً واسعاً على منصات وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض، وقد لامست هذه المداخلة أحد أكثر الملفات حساسية وإنسانية في المجتمع وهو الحق في العلاج. ورغم مشروعية النقاش المتعلق بالضغط على الخدمات الصحية وضرورة تحسين جودة وفعالية الأنظمة العلاجية للمواطن، فإن تعميم الاتهام على فئة واسعة من المقيمين لا ينسجم مع المبادئ التي تأسّست عليها البحرين، ولا مع القيم الإنسانية التي تميّز مجتمعها.
المرض لا يعرف جنسية ولا يفاضل بين شخص وآخر، والخدمات الصحية التي تقدمها الدولة لا يمكن أن تختزل بمنطق الأرقام بل أيضاً بمنظور الرحمة والمسؤولية الأخلاقية، والأجانب الذين يعيشون بيننا ليسوا مجرد أعداد إضافية بل هم مساهمون في الاقتصاد، وعاملون في مختلف القطاعات، يرفدون حركة التنمية اليومية، كما أنهم لا يتلقون العلاج مجاناً، فهناك رسوم مفروضة عليهم تبلغ 7 دنانير لكل مرة يتلقون فيها الخدمة الصحية الأساسية وهي للاستشارة الطبية فقط، فيما يدفع الأجنبي أي مبالغ أخرى مثل الفحوصات المختبرية والأدوية يشتريها من الصيدليات الخارجية، وهم بذلك يسهمون مالياً في رفد ودعم منظومة الرعاية الصحية في البلاد.
إن تعزيز الخدمات الصحية للمواطن حق لا يختلف عليه اثنان، لكن تحويل الملف إلى خطاب تمييزي يخلق فجوة بين مكونات المجتمع المُقيم ويضرّ بسمعة وتاريخ البحرين الإنساني والمتمثل بقيادتها الإنسانية الرحيمة في ظل العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه.
إذن فإن الحل الحقيقي ليس في إقصاء الأجانب وعدم معالجتهم، بل في تطوير الطاقة الاستيعابية للمستشفيات الحكومية وتنظيم مسارات العلاج وتفعيل التأمين الصحي بشكل أكثر شمولاً، بحيث يشعر المواطن بالاطمئنان ولا يُعامل الأجنبي كعبء أو دخيل.
تظلّ البحرين على الدوام نموذجاً للتعايش والتسامح، وهذا النموذج يجب أن ينعكس حتى في أدق الملفات، ومنها الصحة لأنها تمسّ كرامة الإنسان وحقه في الحياة، ولا ينبغي لأي خطاب برلماني أو سياسي أن يتجاوز هذه الأُسس الراسخة أو يُضعف صورة البحرين التي يعرفها القاصي والداني بأنها بلد الخير والإنسانية، ومن يعيش بين أهل البحرين المعروفين بالطيبة لا يريد أن يفارقهم.
ومثل هذه الخطابات وغيرها لا تمثّل طيبة ونفس البحرينيين الذين يتقبلون الغريب منذ أن عرفنا أنفسنا والبحرين تجمع الكل دون أي تفرقة ولا تمييز.
همسةلا فرق بين البشر في الألم، والإنسانية لا تُجزّأ ولا تُقسّم إلى مواطن وأجنبي، فأي خطاب فيه تمييز لا يمثّل أهل البحرين الكرام، ومن يأتي إلى هذه الأرض الطيبة إنما يسعى إلى رزق أكرمه الله به، فالدنيا دوارة والنعمة زائلة ولا يبقى للإنسان إلا أثره الطيب ومقدار الرحمة في قلبه.