العلاقة التي تربط بين مملكة البحرين وسلطنة عمان علاقة تعود إلى عمق تاريخ المنطقة، ومتماسكة بتماسك المد الجغرافي، ومتقاربة بقرب المدى الحضاري والثقافي المشترك، وتصاهر المصالح المشتركة اقتصادياً على كافة الأصعدة، ومتآلفة بتوافق الرؤى بين القيادتين الرشيدتين لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، حفظه الله ورعاه، وأخيه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، سلطان سلطنة عمان، حفظه الله ورعاه.
حيث تجمع مملكة البحرين وسلطنة عُمان علاقات تاريخية خَطَها التّفاعل الحضاري والتجاري بين حضارتي ديلمون وماجان، فشكَّلت روابط مُتطوِّرة عبر الزمن لتصبح نموذجاً متميزاً للتعاون الخليجي المبني على الثقة والاحترام المتبادل. وقد عزز هذا الإرث التاريخي أُطر التعاون المؤسساتي بين البلدين في شتّى المجالات، أسهمت في تقوية التّواصل بين الشعبين.
لقد شهدت حضارة دلمون وحضارة ماجان تفاعلاً ثقافياً واقتصادياً تجارياً وثيقاً، أسهم في تشكيل شبكة تبادل إقليمي نشطة خلال الألفية الثالثة قبل الميلاد، إذ قامت دلمون بدور المركز التجاري الوسيط الذي يربط حضارات وادي الرافدين والهند وماجان، فيما اشتهرت ماجان بمواردها الطبيعية خاصةً النّحاس الذي كان يُعد من أهم السّلع المطلوبة في المنطقة آنذاك.
وقد تركز التّفاعل بين الحضارتين على التجارة البحرية، حيث نقلت دلمون منتجات ماجان من النحاس والأحجار والمواد الخام إلى أسواق الرافدين، مقابل استيراد السلع الدلمونية المصنعة والزراعية والبحرية، من منتوجات صناعة الفخار، ودبس التّمور، وصيد اللؤلؤ. هذا التبادل التجاري أدى إلى انتشار أنماط ثقافية مشتركة وخلق تداخل حضاري انعكس في اللقى الأثرية، وأنظمة الوزن، وأساليب الملاحة.
وأسهم هذا التّفاعل في تعزيز ازدهار اقتصادي للحضارتين، وجعل الخليج العربي مساحة حيوية للتبادل الثقافي والتجاري، مما يعكس عمق العلاقات القديمة بين شعوب المنطقة ودورها في نشوء شبكات التجارة العالمية المبكرة، التي شكّلت حركة الاقتصاد الإقليمي خلال الألفية الثالثة قبل الميلاد.
فهذا الإرث الحضاري القديم شكّل قاعدة صلبة للعلاقات البحرينية العُمانية الحديثة، وأسهم في استِدامة الشراكة التجارية والبنية الاقتصادية المُتكاملة لمختلف القطاعات، والتعاون الثقافي والتعليمي بين البلدين عبر برامج المتاحف الوطنية والاتفاقيات الأكاديمية، ليواصل الشعبان اليوم مسيرة تاريخية من التواصل والانفتاح تعود جذورها إلى أقدم حضارات الخليج.
فقد شهدت العلاقات الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة ازدهارا ملحوظا، نتيجة التقارب السياسي المتنامي بين القيادتين، أفضى إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري بين البحرين وسلطنة عُمان بنسبة 3% من 90 إلى 92 مليون دولار بين الربع الثاني 2024 والربع الثاني 2025، كما سجّل نشاط حركة التجارة استمرار انتعاشه إلى غاية أكتوبر ،2025 في إنتاج المعادن والألمنيوم والبتروكيماويات والسلع الغذائية.
فعلى مستوى التّبادل التّجاري، تنوّعت الصادرات البحرينية إلى الأسواق العُمانية لتشمل الأجهزة الكهربائية والمنتجات الغذائية والعطور والمجوهرات، فيما استوردت البحرين من السلطنة الألمنيوم والكابلات الكهربائية والأدوية ومواد البناء. ورافق هذا النشاط التجاري توقيع اتفاقيات اقتصادية واستثمارية، داعمة، أسست لمرحلة جديدة من التّكامل، كان من أبرزها إنشاء مشاريع مشتركة في الطاقة المتجددة والصناعات التقنية والخدمات اللوجستية، وهو ما يعكس وعياً قيادياً بأهمية استثمار المقومات المشتركة للبلدين.
وعلى مستوى القطاع السياحي، توسعت مجالات الشراكة، حيث قامت مملكة البحرين وسلطنة عُمان بتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم لتعزيز التعاون السياحي بين البلدين، لتشمل تبادل الخبرات، وتطوير المهارات الفنّية، وتنظيم برامج مشتركة للترويج السياحي، وتسهيل رحلات السياحة بين البلدين وتحسين البنية التحتية وتشجيع الاستثمار في المنتجعات والفنادق والفعاليات السياحية، والمهرجانات السياحية.
لقد جاءت الزيارتان المتبادلتان بين حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم، وأخيه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم سلطان عمان، لتشكل نقطة تحول محورية في مسار العلاقات، إذ أسفرت هذه الزيارات عن توقيع نحو 50 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبرنامج تنفيذي شملت قطاعات واسعة مثل الاقتصاد والاستثمار والتعليم والصحة والطاقة والنقل والأمن.
هذه الاتفاقيات لم تكن مجرد وثائق بروتوكولية، بل شكّلت خارطة طريق لمرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي، ووضعت أسساً لبرامج مشتركة في التحول الرقمي والطاقة النظيفة والتقنيات الحديثة، بما في ذلك تعزيز الفرص أمام القطاع الخاص في البلدين.
وقد تجلّى أيضاً عمق العلاقة الأخوية بين البحرين وعُمان، من خلال الاحتفال بالعيد الوطني الخامس والخمسين للسلطنة، حيث شهدت البحرين مظاهر احتفالية رسمية وشعبية عكست تقديرها الكبير لعُمان وشعبها وقيادتها. وتبادلت القيادتان التهاني والبرقيات الرسمية، فيما نظمت المؤسسات الرسمية والدبلوماسية فعاليات احتفالية تؤكد أن العلاقة بين البلدين ليست مجرد علاقة رسمية، بل علاقة بين شعبين يجمعهما تاريخ واحد وقيم مشتركة وإنسانية راسخة.
إنّ كافة هذه المؤشرات المُميَّزة، تُظهر أن العلاقات البحرينية العُمانية تتجه بثبات نحو آفاق أرحب من الشراكة والتكامل، مستندة إلى تاريخ مشترك ورؤية قيادية واعية ومصالح اقتصادية واعدة. وتنبِّئُ بمستقبل واعد أمام البلدين الشَّقيقين لابتكار نماذج تكامل اقتصادي وتنموي تخدم مجمل دول المنطقة.