مع إطلالة شهر ديسمبر 2025، الذي نسميه عادة بشهر «أفراح الوطن» والذي يأتي وسط أجواء وطنية جميلة، وطقس شتويٍ بديع، وبرامج متعددة تمنحنا متنفساً للّقيا والسعادة وسط صور بهيجة من الخير وحب الوطن الغالي. جميلة هي أجواء الفرح والبهجة التي تنعكس على نفوس الجميع، أولئك الذين يرفعون كفوف الضراعة بأن يحفظ مملكتنا الغالية البحرين من كل شر وسوء وبلاء، وأن يجعلها محطة خير وتلاقٍ وسلام وأمان، وإشعاع أثر جميل للعالم أجمع.

وعندما نتحدث عن «أفراح الديرة» فإنما نتحدث عن تلك البرامج والفعّاليات التي تُنظَّم خلال شهر ديسمبر، والتي تُعد بالفعل متنفسًا جميلًا للمواطنين والأشقاء في دول الخليج، مع التمنيات بتعاون الجميع، وكل الجهات المعنية، من أجل تنظيم حركة السير والمواقف وتسيير حركة المشاة، ليستمتع الجميع ويشارك في مثل هذه البرامج التي تعزز الروح والانتماء الوطني، وتُحيي ذاكرة الوطن الجميلة من جديد.

وعندما نتحدث عن أيام ديسمبر، فإننا نتحدث عن «ليالي المحرق» الجميلة، التي تزدان بها فرجان المحرق، وتستمتع بالتجوال فيها، والالتقاء بأهل المحرق الذين تفرّقوا بين مدن وقرى البحرين، وكانت هذه الليالي موئلًا للّقاء بعد التباعد. ليالٍ نستذكر فيها ذكريات الطفولة وذكريات «البيت العود»، وتلك الفرجان التي جمعتنا على المحبة، وتلك الساحات التي كانت محطة جميلة للعب ولُقيا الأصدقاء. نستمتع فيها بالمشي في أجواء رائعة بهيجة، نستذكر فيها شعر الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة -طيب الله ثراه- الذي يقول:

(محد عرفني فيج يا محرق شدعوة.. ولهان يا محرق وآدور في السِكّة.. ما حد عرفني.. فيج يا محرق شدعوة.. خلي اللي واعدني عقب البراحة ببيت نطرته طول اليوم واقف.. ولا مليت.. إيش فيه؟ خلّاني حاير ولا جاني.. وما أحد في المحرق ببيته دلّاني.. ما حد عرفني فيج يا محرق شدعوة.. والله لأدوّره وأدور في الفرجان.. وأقول يا أهل الخير راعي النشل ما بان).

ونحن نقول اليوم: «يا المحرق، تراكِ انتِ غير. مهما كبرنا وكبرت أحلامنا، سيظل عشقك في قلوبنا، وستبقى سوالف «لول» لآبائنا وأجدادنا وجيراننا. نسولفها وإن كبرنا؛ نتذكر دكاين يدي، وحجي بودهيش، وبن زومان، ونتذكر لعبنا في «الحفّارة»، ولعب الكرة في الفريج، و«التيلة» و«الخارطة» و«الصعقير». كنا ندش من بيت لبيت بدون استئذان، والكل كان فينا فرحان).

أتمنى أن يتحول كل بيت قديم شهد ذكريات جميلة إلى «ملفى» لنا ولعيالنا طوال السنة، نتلاقى فيه، نشرب الشاي وناكل النخي، ونسولف عن «لول»، ونعلم عيالنا معنى المحبة والتواصل، ومحبة المحرق خاصة. نتمنى أن تتحقق أمنياتنا؛ ففي كل فريج حكاية أثر لا بد أن نوثقها باللقيا. وكما يقولون «ملفى الأياويد» اسم جميل نطلقه على كل بيت نتلاقى فيه. فالمحرق كانت وما زالت ملفى الذكريات وملفى العطاء الذي لن نتركه أبدًا ما حيينا. نُحيي في أنفسنا روح الأجور التي سعينا لها هناك، في مساحة مسجد الإيمان، وفي مساحة كل وفاء عشناه وتذوقنا أصالته.وعندما نتحدث عن «أفراح البحرين» فإنما نتحدث عن نعمة الأمن والأمان، ونِعَم التلاقي مع الأهل والأحباب والأصدقاء؛ فهم عزوة الحياة، وهم من يبادلوننا أجمل الأحاسيس والمشاعر، في وطنٍ للحب، وطنٍ يسكن قلوبنا ونسكن نحن في واحاته الجميلة. نستذكر فيه كل عطاء، وكل موقف نبيل عشناه من أجل الخير.

ومع هذه الأفراح تتلألأ مناسبة «يوم التطوع العالمي» التي تأتي لتذكرنا بأحاسيس الزمن الجميل، وبكل عطاء وتطوع قدمناه -وما زلنا- في ميادين الإحسان، وتعليم القرآن الكريم، والتربية على القيم النبيلة، وميادين الجوّالة، ومجالات خدمة الآخرين. ما أجمل ساعات التطوع عندما تحتسبها لله تعالى وحده، وتكون فيها أنموذجًا رائعًا في القدوة والبذل!

في وطن الخير، نشأنا على الحب، وعلى أن نكون قامات في العطاء، ومع أيامه الجميلة كبرنا وكبرت أحلامنا، وما زلنا نعشق الإنسانية، ونعشق أن نكون فرسان خير في حياة الآخرين، نبادلهم الأثر الجميل، ونستشعر معهم قيم الوفاء لحظةً بلحظة.

أفراح وأعياد البحرين تتجسد في قيم ومبادئ نزرعها للأجيال، ونعلمهم أن الخير كل الخير في الحفاظ على هويتهم الوطنية، وعلى مبادئ دينهم الإسلامي الحنيف، وعلى أن يكونوا قدوات يشتغلون في الخير، ويمدون أيديهم لمساعدة الآخرين، ينثرون معاني المودة والمحبة والتراحم والتكافل.

هي أعياد نحتفي فيها بالكبار الذين قدموا الكثير للوطن؛ الكبار الذين رحل من رحل منهم، وبقي من بقي ممن كانت له صولات وجولات في أكثر من مجال، يترك أثره، ويسارع خطاه ليكون بلسماً شافياً في حياة الجميع. واليوم مازال يستذكر اللحظات، ويطمع في الوفاء، ويطمح أن تُكتب تلك المواقف في سطور فصول الحياة، حتى تكون مرجعاً يُدرَّس للأجيال.

أفراح البحرين نحتفي فيها بصنّاع الأمل، وصنّاع أمجاد الإنسانية الذين تركوا أثرهم وتغييرهم، ورفعوا راية بلادهم في العديد من المحافل، حتى باتت أعمالهم شاهدة على خطواتهم الممتدة إلى أبعد الحدود.

ومضة أمل

دامت أفراح الوطن، وأفراح قلوبنا وأسرنا، بالخير والمحبة والعطاء والأمل والعافية والأمن والأمان. وأدام المولى الكريم كل النِّعم التي أغدقها علينا في وطن المحبة والسلام، وحفظنا وحفظ وطننا من كل الشرور، وحفظ قيادتنا ووفقها لما يحب ويرضى.