تاريخياً؛ كانت أرض البحرين القلب المفتوح لكل أبناء الخليج العربي، يلجؤون إليها كلما ضاقت بهم الطرق أو تعقدت أمامهم المسارات، وعلى هذه الأرض تحديداً ولدت فكرة إنشاء مجلس التعاون الخليجي قبل أكثر من أربعة عقود، وهنا أيضاً تتجدد دائماً روح الأخوة التي جمعت قادة وشعوب المنطقة. لأجل كانت البحرين على الدوام تفتح المنامة قلبها قبل ذراعيها لاستضافة الأخوة والأشقاء. وها هي اليوم تستضيف القمة الخليجية السادسة والأربعين؛ حيث يلتقي القادة في بيتٍ يعرفونه جيداً ضيوفاً على جلالة الملك المعظم، الذي لطالما سعى إلى وحدة الصف الخليجي.

من يتابع مسيرة المجلس، منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، يدرك أن البحرين لم تتعامل يوماً مع العمل الخليجي المشترك كملف بروتوكولي، بل كقضية وجود، فجلالة الملك كان دائماً من أكثر الداعمين لفكرة التكامل بين دول الخليج العربي، في مختلف القطاعات؛ السياسية، الدفاعية، الاقتصاد، الطاقة، الأمن الغذائي، التكنولوجيا، وكل ما يضمن بقاء هذا الكيان قوياً وقادراً على مواجهة التحديات، حرص يتجاوز الجانب الرسمي ليمتد إلى إيمان شخصي بأن وحدة الخليج العربي هي صمام الأمان الحقيقي لاستقراره، وأن مستقبل الشعوب مرهون بقدرة قادتها على التفكير والعمل كمنظومة واحدة.

قمة البحرين، والتي تنطلق غداً، تأتي في لحظة استثنائية، حيث المنطقة والعالم يمر بالعديد من التحولات الكبرى؛ صراعات جيوسياسية متشابكة إلى تغيرات اقتصادية عميقة، مروراً بتهديدات أمنية تستدعي يقظة دائمة. ومع ذلك، نجحت دول الخليج العربي في النأي بنفسها عن الاصطفافات غير المحسوبة، وابتعدت عن الانجرار وراء أي اضطراب قد يربك مسارها، فاختارت أن تضع التنمية والاستقرار والإنسان أولاً، وهي خيارات كانت تتطلب وضوحاً في الرؤية وثقة بقدرة البيت الخليجي على حماية مصالحه بعيداً عن الأزمات.

القادة الذين يجتمعون في البحرين يدركون أن العالم يتغير بسرعة، وأن أمام الخليج العربي فرصة استثنائية ليثبت أن وحدته تمثل مشروعاً متجدداً ومتطوراً، حيث من المتوقع أن تحمل القمة رسائل واضحة؛ تعزيز التعاون، توسيع التكامل، حماية الأمن الإقليمي، ودفع عجلة التنمية بما يصنع مستقبلاً أفضل للأجيال. فالمنطقة لم تعد فقط مركزاً اقتصادياً مهماً، بل أصبحت لاعباً دولياً ومصدر توازن يحتاجه العالم في زمن الاضطراب.

قمة البحرين تمثل لحظة تاريخية لتأكيد الاتفاق الخليجي الدائم على الثوابت؛ الاستقرار، الازدهار، والتقدم، وفي البحرين حيث بدأت القصة يتجدد اللقاء ليقول للعالم إن البيت الخليجي قادر على حماية نفسه وصنع طريقه بثقة، وأن قادته يحملون رؤية واضحة؛ مستقبل آمن، واقتصادات قوية، وعلاقات متوازنة تعود بالخير على شعوبهم، وعلى المنطقة والعالم. قمة البحرين الخليجية السادسة والأربعون تمثل امتداداً لفكرة بدأت هنا، وتستمر لأنها تحمل في داخلها روح الخليج العربي؛ متماسك، متعاون، ودائماً يسير إلى الأمام مهما كانت التحديات.