في لحظة تاريخية فارقة، تستضيف مملكة البحرين أعمال القمّة الخليجية السادسة والأربعين، حاملة معها رسائل تتجاوز حدود الاجتماع البروتوكولي إلى آفاق أوسع من التأثير والعمق، إن اجتماع القادة على أرض البحرين هذا العام ليس حدثاً عابراً، بل هو تجديد لإرادة الوحدة، وتأكيد لمتانة البيت الخليجي الذي أثبت -منذ التأسيس- أنه نموذج عربي متفرّد في الثبات والاستمرارية والقدرة على تحويل التحديات إلى منجزات.
فبعد أكثر من أربعة عقود من العمل الخليجي المشترك، تبدو ملامح المسيرة اليوم أكثر نضجاً ووضوحاً؛ إذ تتسارع خطوات التكامل في شتى المجالات، من الاقتصاد والأمن، إلى التعليم والتحول الرقمي، ومن تنويع الشراكات الدولية إلى تعزيز منظومات الحماية الاجتماعية والتنمية الشاملة، لم يعد التعاون الخليجي شعاراً، بل مشروعاً عملياً يتحوّل عاماً بعد عام إلى منظومة تكاملية راسخة، تؤسس لمرحلة جديدة من الفعالية والقدرة على التأثير في محيط إقليمي ودولي لا يعرف الثبات.
وتأتي هذه القمة في سياق جيوسياسي دقيق، تتقاطع في فضائه الأزمات العالمية والمراجعات الكبرى لمسارات الأمن والطاقة والاقتصاد، وبرغم ذلك، تواصل دول الخليج تقديم نموذج استثنائي في إدارة التحولات، إذ أثبتت التجارب أن القرار الخليجي الموحد قادر على حماية الاستقرار، وصناعة الفرص، ورسم سياسات اقتصادية وأمنية بعيدة المدى، تجعل المنطقة أكثر قدرة على الصمود، وأكثر استعداداً للمستقبل.
إن ما سيصدر عن هذه القمة -مهما تنوعت بنوده- يحمل جوهراً واحداً: تعزيز التكامل الخليجي بوصفه خياراً استراتيجياً لا رجعة عنه، وهو تكامل يلامس واقع المواطن مباشرة عبر مشاريع تنموية نوعية، وسياسات اقتصادية موحدة، وتعاون أمني دفاعي متقدم، وإطلاق مبادرات تعليمية ورقمية تعزّز مكانة الخليج لاعباً أساسياً في اقتصاد المعرفة والذكاء الاصطناعي والتحولات التقنية العالمية.
وللبحرين في هذا المشهد دور أصيل ومتجذر؛ فهي لم تتخلّ يوماً عن دعم وحدة الصف الخليجي، بل ظلّت -بقيادتها الحكيمة-ركناً ثابتاً في معادلة الاستقرار الإقليمي، وحاضنة لكل جهد يعزّز لحمة مجلس التعاون ويصون مكتسباته، وإن استضافة المنامة لهذه القمة إنما تعكس إيمان البحرين الراسخ بأن مستقبل الخليج يصنعه أبناؤه، وبأن الاتحاد هو قوة لا غنى عنها في عالم تزداد تحدياته وتعقيداته.
جوهر الكلمة
إننا نقف اليوم عند منعطف خليجي جديد، تتّضح فيه الرؤية وتشتد فيه الإرادة ويعلو فيه صوت الثقة بالمستقبل، والقمة الخليجية في البحرين ليست مجرد موعد سياسي، بل إعلان متجدد بأن الخليج، بروحه الواحدة ورؤيته المشتركة، قادر على صناعة الغد وحماية استقراره، وترسيخ حضوره الدولي، وإطلاق نهضة تنموية تليق بشعوبه وتاريخه ومكانته.
هنا... من قلب البحرين، يولد فصل جديد من فصول العمل الخليجي المشترك؛ فصلٌ عنوانه الاتحاد قوة.. والمستقبل خليجي الصنع.
* إعلامية وباحثة أكاديمية